مقابلة World Geostrategic Insights مع أندرو ك. ب. ليونغ حول سبب زيارة بيلوسي إلى تايوان، رد الصين، تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في مضيق تايوان، ودول أوروبيا وآسيا التي لا تنوي التورط في النزاع.

    Andrew-K.P.Leung_أندرو ك. ب.  ليونغ هو خبير دولي واستراتيجي صيني مستقل وهو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.

    وصل وفد من الكونجرس الأمريكي بقيادة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان متحدياً تحذيرات الصين التي هددت بالرد عسكرياً. صرحت إدارة بايدن مرارًا وتكرارًا أن الزيارة كانت قرارًا شخصيًا لبيلوسي وأكدت لبكين علنًا أنها لن تمثل أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان ونفت اتهام بكين قائلة إن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة في زيادة التوترات مع الصين. ومع ذلك فمن المرجح جدًا أن تتسبب زيارة بيلوسي في تصعيد خطير في المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. برأيك ما سبب زيارة بيلوسي؟ وما هي الفائدة العائدة -إن وجدت- على استقرار المنطقة؟ هل يمكننا حقًا أن نقول إن تايوان في خطر كبير يحتاج لدعم قوي يشمل على زيارات للقيادات الكبرى ومساعدة عسكرية من الولايات المتحدة وحلفائها لمنع الغزو العسكري الصيني؟

    إذا نظرنا من منظور الصين، فإن زيارة بيلوسي إلى تايوان تبدو أشبه بإهانة واستفزاز للصين. وبناءً على ذلك ففور وصول بيلوسي، شنت بكين سلسلة من العمليات والتدريبات العسكرية والإجراءات الحازمة والقوية الأخرى. ربما يخشى شي الآن أنه إذا لم يجعل زعماء تايوان وداعموهم الأمريكيون يدفعون ثمنًا لتحديهم فقد يفقده ذلك السيطرة على الموقف وهذا لن يمنعه فقط من تحقيق هدفه طويل الأجل المتمثل في إعادة التوحيد، بل يمكن أيضًا أن يزعزع من شأن الصين وقوتها داخلياً وخارجياً. لذلك فمن المحتمل أن تتصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في مضيق تايوان، ولا يمكننا استبعاد أسوأ السيناريوهات.

    ما هو رأيك في الإجراءات الصينية المتوقعة وإمكانية المواجهة العسكرية المباشرة بين الولايات المتحدة والصين؟

    أندروا: حذر الرئيس شي الرئيس بايدن بالفعل قبل زيارة بيلوسي من أن هذا سيكون بمثابة تعدي لحدود تخص سياسة الصين الواحدة (OCP) باعتبار أن منصب بيلوسي يعد الثاني من حيث المكانة في رئاسة الولايات المتحدة. وجاءت هذه الزيارة في أعقاب محاولات متكررة من قبل الولايات المتحدة للعبث حول سياسة الصين الواحدة وإيفاد المزيد والمزيد من كبار المسؤولين لزيارة تايوان وخلق المزيد من الفضاء الدبلوماسي والجيوسياسي للجزيرة من خلال تعزيز دورها في المؤسسات الدولية المخصصة عادة للدول المستقلة وتشجيع حلفاء أمريكا لفعل الشيء نفسه.

    ويعلم الجانبان أن اشتعال حرب بين الولايات المتحدة والصين هو أمر غير مرجح في هذه المرحلة، لكن يجب الحذر من نوفمبر القادم حيث سيكون هناك انتخابات نصفية مصيرية في الولايات المتحدة عندما يرى كل من بيلوسي وبايدن أن سلطتهما على الكابيتول هيل -الكونجرس- تنهار. وفي بكين سيكون هناك مؤتمر للحزب الوطني والذي من المقرر أن يؤكد على تولي شي منصب القائد الأعلى للمرة الثالثة بالإضافة إلى الكشف عن قائمة جديدة للقيادات العليا يُحتمل أن تشمل على رئيس الوزراء المتقاعد لي كه تشيانغ.

    وإضافة لذلك، ففي شهادة حديثة أمام الكونجرس، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة؛ الجنرال مارك مايلي أن الصين لا تمتلك حتى الآن القدرة العسكرية والثقة الكاملتين للسيطرة بشكل محسوم على تايوان، على الأقل حتى عام 2027.

    ونظراً لهذه الحسابات، اعتقدت بيلوسي -بدعم كبير من الحزبين- أن هذه هي الفرصة لإظهار عزم الحزب الديمقراطي ضد سياسات بكين وامتلكت الجرأة الكافية لتحدي شي واستفزازه.

    ومع حدوث تلك الزيارة، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بما يفيد أن الصين قد تعرضت للإذلال وأنه لم يكن ينبغي لها أن تظهر هذا الهدوء والشجاعة التي ثبت مع رد الفعل الفوري أنها ساذجة.

    وبصفتها أحد أسياد الاستراتيجيات العالية بعيدة المدي، فلطالما استعدت بكين عسكريًا لكافة الاحتمالات المتعلقة بتايوان ويمكننا الآن أن نري التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية عالية التنسيق ومتعددة المسارح تتوجه بسرعة إلى العمل مما سيؤدي إلى حصار تايوان بشكل كامل لعدة أيام. ويعد هذا بمثابة رصاصة تحذيرية قوية للولايات المتحدة وتايوان وحلفائهم من الغرب ورسالة أنه لم يعد يمكنهم العبث حول الصين. منحت أيضاً زيارة بيلوسي لبكين فرصة نادرة للتدرب في الموقع على ديناميكيات الغزو المحتمل في المستقبل لاستعادة الجزيرة بالقوة إذا حدث أي ضغط.

    وما لم يعلن عنه بالشكل الكافي، هو الدراسة التي أتت بعد فترة وجيزة من شهادة مارك ميلي أمام الكونجرس، دراسة مركز بيلفر بجامعة هارفارد كينيدي في ديسمبر 2021 والتي أجريت تحت إشراف البروفيسور جراهام أليسون -مؤلف كتاب The Thucydides Trap- والتي تفيد أن عصر التفوق العسكري الأمريكي قد انتهى في كل المجال: الجوي، الأرضي، البحري، الفضاء ويتبقى فقط الفضاء السيبراني وهو موضع نزاع حالي. يشير التقرير إلى أن الصين لديها القدرة على تقديم أمر واقع قبل أن تتمكن واشنطن من تحديد كيفية الرد، وذلك بفضل قدرات نظام A2 / AD (منع الوصول / رفض المنطقة) المتطورة.

    وبعيداً عن ذلك، يظل سون تزو المرشد الأفضل. شددت بكين مرارًا وتكرارًا على أن التوحيد السلمي يظل هو الخيار الأفضل ولن يُسمح له بإفساد حلم الصين بالتوحيد بحلول عام 2049 على أقصي تقدير -الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية-.

    لا يزال هناك متسع من الوقت لخلق زخم حتمي لمفاوضات محدودة زمنياً من أجل التوحيد السلمي، ربما باتباع نهج المستعمرة البريطانية السابقة بهونج كونج (عندما تنازلت الصين عن جزءها من الجزيرة لبريطانيا إلى الأبد بموجب ما يسمى “المعاهدات غير المتكافئة”) التي تمكنت أخيرًا من العودة بسلام إلى الوطن الأم على الرغم من مقاومة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر والمخاوف الخطيرة الأولية لشعب هونج كونج.

    حافظت الحكومات الأوروبية على موقف صامت مهذب في قضية الصين والولايات المتحدة والخلاف الناشب حول زيارة نانسي بيلوسي لتايوان بينما دعمت روسيا الصين متهمة واشنطن بزعزعة استقرار العالم. ما رأيك في التداعيات الفورية والطويلة المدى لرحلة السيدة بيلوسي على المشهد الجيوسياسي الأوروبي؟ هل يمكن للتوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن أن تصرف انتباه الولايات المتحدة عن مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا؟ وهل يمكن أن يؤدي اندلاع الأزمة الأمنية في آسيا بشكل كبير إلى تغيير أولويات البيت الأبيض؟

    أندروا: ليست أوروبا فقط بل أيضاً الدول الآسيوية تمتنع بحرص عن التورط في المعركة. رفض رئيس كوريا الجنوبية وكبير مستشاريه مقابلة نانسي بيلوسي خلال زيارتها إلى سول بسبب الإعصار. تتخذ 130 دولة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي تمثل ثلث البشرية وثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي من الصين كأكبر شريك تجاري مقابل 57 دولة للولايات المتحدة. وبغض النظر عن بعض الصقور المناهضين للصين التي عادت مؤخراً للظهور، تتبنى معظم الدول الأوروبية استراتيجية أكثر حذراً وواقعية تجاه الصين. وبجانب الحذر من نفوذ الصين، يفضل معظمهم نهج الاستفادة من سوق الصين الواسع والذي يوشك أن يصبح قريبًا أكبر اقتصاد في العالم بينما يقاوم السوق الأمريكي.

    أما بالنسبة لروسيا التي تم نبذها بشكل فج، فقد دفعتها السياسات القسرية من جانب أمريكا إلى الميل أكثر للصين التي تُعرف الآن على أنها منافس القوة العظمى الوحيد لأمريكا والتي تكاد تناظره في القوة. بالإضافة إلى ذلك، فإن اقتصادا روسيا والصين متكاملان للغاية حيث يعتمد أحدهما بشكل كبير تصدير فائض الطاقة والمنتجات الزراعية (مثل الأسمدة) بينما يعد الآخر أكثر عملاء العالم احتياجاً لهذه السلع. وعلاوة على ذلك وبفضل الاحتباس الحراري فإن المزيد والمزيد من الأراضي الروسية تستعد للانفتاح على الإنتاج الزراعي.

    أما بالنسبة لأوكرانيا فإن البيت الأبيض الآن غارق في الوحل بحيث لا يستطيع التركيز على الصين وحدها ولا يزال هناك غطرسة كبيرة مفادها أنه ينبغي على أمريكا أن تخوض حربًا تطلق عليها “الصراع بين الديمقراطية والاستبداد” وستكون حرب على جبهتين.

    أندرو ك. ب.  ليونغ (خبير دولي واستراتيجي صيني مستقل وهو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات).

    شاركها.