اسلام عبد المجيد عيد
فى العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضى جرت الإنتخابات البرلمانية العراقية والتى لم يتوقع العراقيون أن تأتى بالجديد، فعلى مدار السنوات الماضية التى تلت عام 2003 أفرزت العملية السياسية فى العراق نظاما اتسم بالمحاصصة الطائفية والعرقية، وهو ما أثر بالسلب على الواقع العراقي بسبب وجود نظام سياسي هش تعرقله ميليشيات حزبية تابعة لجهات أجنبية على رأسها الجارة إيران.
ولم تحمل نتائج الإنتخابات تغيرات ملحوظة على تواجد الكتل السياسية المسيطرة على الحياة السياسية بالبلاد منذ عام 2003، كما أن نسبة المشاركين بالعملية الإنتخابية تعد ضعيفة نسبيا وفقا لما أعلنته المفوضية العليا للإنتخابات فى العراق، حيث قدرت نسبة المشاركة الأولية بها ب41% فقط.
سيناريوهات محتملة
أظهرت نتائج الإنتخابات تراجعا ملحوظا لبعض الكتل الموالية لإيران يأتى على رأسها تحالف الفتح الذى يعد أبرز ممثلى الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري، والذى لم يتحصل سوى على 17 مقعد فقط وهو ما يعد تراجعا كبيرا للتحالف الذى حصل على 48 مقعد فى الإنتخابات السابقة كان يمثل بها ثاني أكبر القوى الموجودة بالبرلمان السابق، فيما حصل تحالف دولة القانون برئاسة نورى المالكي على 34 مقعد بفارق كبير عن أكبر كتلة بالبرلمان وهو التيار الصدري الذى حصل على 70 مقعد.
وبالتالي البرلمان بلا أغلبية قادرة على تشكيل حكومة، وهو ما يستدعى من مقتدى الصدر زعيم أكبر كتلة بالبرلمان من تكوين تحالفات لتشكيل حكومة إئتلافية، ومن المتوقع أن يتجه الصدر لتحالف من داخل البيت الشيعي لتشكيل أغلبية برلمانية حتى فى رغم تباين وجهات النظر، ولكن يبقي إحتمال التحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني وآيضا تحالف تقدم السني بقيادة محمد الحلبوسي قائما وهو ما قد يمكن الصدر من تشكيل حكومة بسهولة ، على إعتبار أن الصدر يمثل تيارا شيعيا معتدلا بخلاف التيارات الولائية الأخرى التابعة لإيران
على الجانب الآخر، هناك إحتمالية لظهور معارضة مستقلة بالبرلمان الجديد، فلقد حصلت حركة إمتداد المنبثقة عن تظاهرات تشرين عام 2019 على 9 مقاعد بالبرلمان منها 5 مقاعد بمحافظة ذى قار التى تقع بها مدينة الناصرية حيث كانت بداية الإحتجاجات، فيما حصلت إشراقة كانون على 6 مقاعد، وقد تشكل الحركات المنبثقة عن التظاهرات تحالفا مع مستقلين بالبرلمان لتكوين معارضة قد يصل عددها ل20 مقعد من الممكن أن تؤثر على بعض القرارات بالبرلمان.
الكاظمي لا يزال فى الصورة
مع إعتماد تشكيل الحكومة فى العراق على الأغلبية فى البرلمان، وهو ما لم تستطع أى من القوى السياسية الوصول إليها بمفردها بالإضافة لعدم ظهور أى أسماء مرشحة بارزة حتى الآن لتولى المنصب، يبقي موقف مصطفى الكاظمي قويا فى التواجد على رأس الحكومة المقبلة، بحيث يكون الكاظمي مرشحا توافقيا لكافة الأطراف السياسية بالبرلمان خاصة وأنه لا ينتمي لأى حزب أو تيار سياسي متواجد بالعملية السياسية بالعراق.
وبالنظر إلى نتائج الإنتخابات الأخيرة فإن أسهم مصطفى الكاظمي تتزايد لتولى رئاسة الوزراء، خاصة مع تراجع نسبة المقاعد التى حصلت عليها التحالفات الموالية لإيران وعلى رأسها تحالفي الفتح ودولة القانون، ومع الإحتمالية المطروحة للتحالف بين التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم السني الذى حصل على ما يقارب 40 مقعد فى الإنتخابات الأخيرة، حيث تمتلك الأطراف الثلاثة علاقات جيدة بالمحيط العربي الذى يرغب ببقاء الكاظمي.
وتشير الأحداث الأخيرة التى أعقبت إستهداف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فى مقر إقامته ببغداد، إلى ارتفاع شعبيته بين الأوساط الشعبية، خاصة مع تزايد سخط العراقيين من التنظيمات المسلحة الخارجة عن إطار القانون، حيث كانت عملية الإغتيال ردا على سياسات الكاظمي التى تعهد من خلالها بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما سيكسب الكاظمي غطاءا شعبيا للمضي قدما فى سياساته إذا ما تم تكليفه برئاسة الحكومة المقبلة
بالإضافة إلى ذلك ستكون الرغبة الأمريكية الواضحة فى بقاء الكاظمي على رأس الحكومة العراقية عاملا أساسيا فى الفترة المقبلة، خاصة وأن المرجعية الشيعية فى النجف لن تمانع فى تولى الكاظمي للمنصب من جديد، ولم تصدر منها حتى الآن بيانات بالرفض.
مستقبل الإنفتاح على الحاضنة العربية
تسود حالة من الغموض تجاه الموقف العراقي القادم من الإنفتاح الذى قاده الكاظمي فى الآونة الأخيرة تجاه المنطقة العربية وبالتحديد ما يخص مشروع الشام الجديد مع مصر والأردن، ولكن يبقى التنبؤ باستمرار هذه السياسة التى انتهجها الكاظمى محتملا بشكل كبير، حيث انها ارتبطت بأشياء واقعية على الأرض العراقية.
ومع التوقعات باستمرار الكاظمي من المفترض أن تتواصل السياسات المنفتحة مع العرب وعلى رأسهم مصر، خصوصا وأن الأطراف الثلاثة البارزة فى الإنتخابات العراقية من المكونات الثلاثة الرئيسية فى البلاد وهم التيار الصدري من الشيعة والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم السني، تربطهم علاقة مميزة بمحيط العراق العربي، وهو ما قد يكون كفيلا باستمرار نهج الكاظمي المنفتح تجاه مصر وباقي الدول العربية.
فى الوقت نفسه، بدأ العراقيون أنفسهم يشعرون بنوع من الثقة والإرتياح للأشقاء العرب كبديل لإيران أو على الأقل لتحجيم السيطرة الإيرانية على البلاد، خاصة فى ظل المشاريع المرتقبة فى إطار مشروع الشام الجديد، وحاجة العراق للأيدي العاملة المصرية من أجالإتفاق النووي، إضافة إلى محادثات التقارب مع السعودية، خاصة أن بعض ميليشياتها المسلحة تشكل قسما رسميا ضمن القوات المسلحة العراقية.
نفوذ إيراني مستمر
رغم أن نتيجة الإنتخابات البرلمانية الأخيرة بالعراق شهدت تراجعا للكتل الموالية لإيران، لكن من المتوقع أن يظل النفوذ الإيراني فى العراق قائما، لعدة عوامل أهمها تواجد الأحزاب الموالية لها والتى تمتلك أغلبها ميليشيات مسلحة بعضها تحت لواء الحشد الشعبي، والتى تملك القدرة على التأثير سياسيا وأمنيا على الوضع فى العراق.
فإيران لها أذرعها السياسية والعسكرية فى العراق منذ عام 2003، وبالتالى خسارة كتلة أو أخرى موالية لها فى الإنتخابات لن يؤثر كثيرا على تواجدها كفاعل رئيسي فى العراق، وإنما قد تقل حدة التدخل فى بعض الأمور التى لا تتعلق بصورة كبيرة بها، وستحاول الإبقاء على مصالحها الممثلة فى ضمان تواجد الحشد الشعبي، وبقاء السوق العراقية مفتوحة أمام السلع الإيرانية فى ظل الحصار المفروض عليها من الولايات المتحدة وحلفاؤها.
وتحرص طهران على بقاء العراق كورقة مساومة تستخدمها فى المباحثات والمفاوضات المستمرة مع الولايات المتحدة، بالتزامن مع محادثات فيينا بشأن الإتفاق النووي، إضافة إلى محادثات التقارب مع السعودية، خاصة أن بعض ميليشياتها المسلحة تشكل قسما رسميا ضمن القوات المسلحة العراقية.
بالمحصلة، أبقت نتائج الإنتخابات الأخيرة فى العراق على تواجد الكتل الرئيسية المسيطرة على السلطة بالبلاد كما هى، لكن من المتوقع أن تجرى بعض التعديلات على مسار التوازنات والتحالفات السياسية بين القوى السياسية وبعضها البعض، مع الإستمرار المتوقع للنقاشات حول صيغة توافقية ترضى أطراف العملية السياسية فيما يخص تشكيل الحكومة الجديدة، فى الوقت التى تظل فيها فرص الكاظمي موجودة وبقوة للبقاء فى منصبه وللإستمرار فى السياسات المنفتحة مع مصر والبلدان العربية الأخرى، فيما لن تؤثر نتيجة الإنتخابات على نفوذ إيران بالبلاد بل ستظل لاعبا رئيسيا فى العراق
إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط
نسبة المشاركة تبلغ 41% فى الإنتخابات التشريعية العراقية
متغيرات جديدة… مستقبل المشهد السياسي العراقي بعد الانتخابات التشريعية
بالأسماء والأرقام… هذا عدد مقاعد الكتل في البرلمان العراقي الجديد