اسلام عبد المجيد عيد

    منذ سنوات عديدة ومنطقة القرن الإفريقي علي موعد مع الأزمات التي لا نهاية لها، هذه المرة كان الدور علي البلد الذي كان يعتبر الأهدأ نسبيا في المنطقة، ألا وهي إثيوبيا، فقد أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن بدأ حملة عسكرية حكومية في إقليم تيجراي شمال البلاد، معللا ذلك بأن قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي قد هاجموا قاعدة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع في الشمال وسرقوا أسلحتها، مضيفا أن العملية ستكون محدودة، وأن حربه ليست علي شعب التيغراي وانما ضد قيادات الجبهة الشعبية في الإقليم.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    كل هذا يعني أن اثيوبيا مقبلة علي تحدي خطير وقد يؤثر بالسلب علي استقرارها السياسي ومدي إمكانية استمرار النسق الدستوري القائم علي أساس فيدرالي والحاكم للعلاقات بين القوميات الإثيوبية المتنوعة،خاصة مع الأحداث التي تشهدها البلاد من إنقسامات عرقية ملحوظة لعل آخرها وأبرزها ما يدور في إقليم تيغراي حاليا من معارك بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والتي قد تسفر بدورها عن انشقاقات في الجيش الإثيوبي، وهو ما سيؤدي بالضرورة لتداعيات محتملة لن يكتفي مجال تأثيرها فقط علي الداخل الإثيوبي، بل من المتوقع أن يمتد التأثير للدائرة الإقليمية المجاورة لإثيوبيا وبالتحديد الدول الملاصقة لإقليم تيجراي وهما إريتريا والسودان، بالإضافة لردود الفعل الأممية المطالبة بضبط النفس، حتي لا تتفجر أزمة لاجئين في المنطقة لما يقارب 9مليون نسمة.

    ويتألف الاتحاد الإثيوبي من ‏تسع أقاليم بالإضافة إلى مدينتين لهما وضع خاص على النحو التالي: التيغراي والعفر والأمهرة وأوروميا ‏والصوماليين وبني شنقول – قماز والشعوب والقوميات الجنوبية وغامبيلا وهرر وأديس أبابا، وفي وقت لاحق من العام الماضي، تم إجراء إستفتاء علي إنشاء إقليم عاشر لقومية السيداما، والذي قام بالتصويت لصالحه 98.5% من الناخبين . ‏

    إثيوبيا لديها تنوع عرقي كبير حيث تضم نحو 88 مجموعة عرقية. اثنتا عشرة من هذه المجموعات العرقية ‏قد لا يصل تعدادها المليون نسمة، من أصل 100 مليون نسمة أو يزيد هم كل تعداد إثيوبيا.

    وتشكل ‏المجموعتان العرقيتان الرئيسيتان (الأورومو 34.5% والأمهرة 26.9%) أكثر من 62 في المائة من جملة ‏تعداد السكان. وتشكل التيغراي ثالث أكبر مجموعة عرقية، على الرغم من هيمنتها السياسية على مقاليد ‏الحكم منذ عام 1991وحتى انتخاب أبي أحمد رئيسا للوزراء عام 2018، فإنها لا تضم سوى 6 % فقط من ‏السكان.

    لكن أبي أحمد والذي يعد أول رئيس يحكم البلاد من عرقية الأورومو رغم أنها العرقية الأكبر في إثيوبيا، اتخذ سياسة مغايرة تماما لسابقيه وحاول أن يخرج من دائرة المحاصصة العرقية،محاولا بذلك إعادة الأسلوب القديم للحكم والذي كانت تعتمده عرقية الأمهرة التي كانت تسيطر علي الحكم قبل عام 1991، ألا وهو أسلوب الدمج الوطني والحكم المركزي، وذلك بعد إعلانه لمشروعه السياسي الجديد في نوفمبر 2019 بتكوين حزب جديد اسمه “حزب الازدهار”، ليكون بعيدا عن الائتلاف الحاكم (الجبهة الثورية ‏الديمقراطية الشعبية الإثيوبية) – الذي كان يتألف من أربعة أحزاب سياسية عرقية هي – المنظمة الديمقراطية ‏لشعوب أورومو، وحركة الأمهرة الديمقراطية الوطنية، والجبهة الشعبية الديمقراطية الإثيوبية الجنوبية ‏والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والذي كان يضمن لعرقية التيغراي التواجد بصورة أساسية في مفاصل الدولة.

    أهمية الدراسة:

    تكمن في التعرف علي الأبعاد المختلفة للصراع الدائر حاليا في إقليم تيغراي بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ومدي تأثير سياسات الإنفتاح التي ينتهجها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي عملية إدارة التنوع العرقي بالبلاد.

    تساؤلات الدراسة:

    1-من هم أطراف الصراع في تيجراي؟

    2-ما هي العوامل التي أدت لإندلاع الأزمة؟

    3-هل ستشكل الأزمة بداية النهاية لدستور عام 1994 والقائم علي أساس المشاركة والمحاصصة العرقية؟

    4-هل الحل السياسي للأزمة مازال مطروحا، أم أننا أمام نزاع عسكري قد يطول أمده؟

    5-التأثير المحتمل للأزمة علي دول الجوار الإقليمي لإثيوبيا؟

    6-ما إمكانية إنضمام عرقيات إثيوبية أخري للتيغراي في نزاعهم ضد الحكومة المركزية في أديس أبابا؟

    أولا: أطراف النزاع

    أطراف مباشرة:

    1-الجيش الفيدرالي الإثيوبي

    يشن الجيش الفيدرالي الإثيوبي  بأوامر عليا من رئيس الوزراء آبي أحمد حملة موسعة حاليا علي إقليم تيغراي شمال البلاد، ويعد الجيش الإثيوبي أقوي جيوش منطقة القرن الإفريقي، ويبلغ ترتيبه المرتبة 47 عالميا من أصل 137 دولة، ويبلغ مجمل عدد أفراد الجيش الإثيوبي  140 ألف جندي، ويمتلك الجيش الإثيوبي 82 طائرة حربية، بالإضافة إلي 800 دبابة ومدرعة، وتبلغ ميزانية دفاع الجيش الإثيوبي 340 مليون دولار.

    2- الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي

    كانت الشريك المهيمن على تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الحاكم سابقا. وقد رفضت الانضمام لخلفه في الحكم حزب الإزدهار الذي أسسه رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد، ويتزعم الجبهة “ديبريتسيون غيبرمايكل” وهو ايضا حاكم ولاية تيغراي، ونائب رئيس الوزراء السابق. وقد أعلي من حدة  اللهجة الانفصالية منذ إبعاده عن الحكومة الإتحادية في إبريل/ نيسان 2018. وأكد في وقت سابق من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري استعداد قوات تيغراي لخوض الحرب، فميزان القوة العسكرية البشرية، يميل بشكل صارخ لصالح جبهة تحرير تيغراي، فحسب تقديرات مجموعة الأزمات الدولية، تمتلك هذه الجبهة ما بين 200 و250 ألف مقاتل، معظمهم مدربين ولهم خبرة قتالية سابقة إبان فترة الحرب الإثيوبية الإريترية، تتسلح وحدات جبهة تحرير تيجراي، بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بجانب بعض الدبابات السوفيتية من نوعي (تي 55) و(تي 62)، وقطع مدفعية ميدان، بجانب مدفعية مضادة للطائرات، وقواذف دفاع جوي محمولة على الكتف، بالإضافة لإستيلائها علي رئاسة القطاع الشمالي للجيش الإثيوبي والفرقة الخامسة مدرعات، وهو ما ينذر بإطالة أمد الصراع.

    أطراف غير مباشرة

    1-إريتريا

    رغم عدم وجود قوات فعلية لها علي الأرض، إضافة إلي عدم صدور تصريحات رسمية حتي الآن من الجانب الإريتري، ولكن تتزايد الشكوك لدي شعب التيغراي في إمكانية ضلوع الرئيس الإريتري آسياس افورقي في الحرب المفروضة علي الإقليم حاليا، فاريتريا التي تقع علي الحدود الشمالية للإقليم، لها عداوة تاريخية سابقة مع إقليم تيغراي، فالرئيس أفورقي دائما ما يحمل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مسئولية الحرب الحدودية التي وقعت بين إريتريا وإثيوبيا بين عامي 1998-2000 ، إضافة لمطالبات إريتريا المستمرة بتنفيذ حكم محكمة العدل الدولية والذي يقضي بإعادة منطقة بادمي والتي تقع ضمن حدود إقليم تيغراي لإريتريا، وهو ما وعد بتنفيذه آبي أحمد منذ استلامه للسلطة عام 2018، خاصة في ظل العلاقة الوطيدة بينه وبين الرئيس الإريتري آفورقي والتي بدأت منذ توقيع إتفاقية جدة للسلام بين الجانبين في السادس عشر من سبتمبر/آيلول من عام 2018، ولعل زيارة أفورقي الأخيرة لإثيوبيا واصطحاب آبي أحمد له في زيارة للمشاريع والسدود التي تقوم بانشائها أبرز دليل علي ذلك، وهو ما زاد من هواجس الجبهة الشعبية في تيغراي من تورط اريتريا بقوات عسكرية إلي جانب القوات الفيدرالية الإثيوبية من أجل استعادة منطقة بادمي.

    2-السودان

    السودان علي النقيض تماما من اريتريا فهي لا تمتلك أي عداء مع أي من الأطراف في النزاع القائم في تيغراي، وإنما تخشي السودان من تضاعف أفواج اللاجئين والفارين من الحرب في إثيوبيا إلي ولاية كسلا السودانية والتي تقع علي حدود إقليم تيغراي، وهو ما قد يؤثر بصورة كبيرة علي صورة رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية عبد الله حمدوك أمام الشعب السوداني، فبادر حمدوك علي الفور بمحاولة لعب دور الوساطة بين الجانبين، فتواصل مع قيادات الجبهة الشعبية في ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي لحثهم علي ضبط النفس، كما تواصل ايضا مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد وطلب منه لعب دور الوساطة من أجل وقف إطلاق النار وهو ما تم رفضه بشكل قاطع من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي ابي أحمد.

    ثانيا: أسباب إندلاع الأزمة

    1-رغبة آبي أحمد في الخروج عن سياق دستور 1994 الإثيوبي

    من البداية اتجهت سياسات آبي أحمد إلي تغيير سياسة الفيدرالية العرقية المنصوص عليها وفق الدستور الذي وضعه ميليس زيناوي عام 1994، والذي يعتبر العضو المؤسس للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، واستبدال ذلك باتباع أسلوب الدمج الوطني لكافة العرقيات في البلاد، وخاصة أن هذا الدستور كان يضمن للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي السيطرة علي الجزء الأكبر من مقاليد السلطة في البلاد ، على الرغم من ضعف تمثيلها السكاني في مجمل عدد السكان، إذ لا تتجاوز ستة في المئة، إلي أن تولي آبي أحمد السلطة في عام 2018.

    وكانت أولي خطوات ابي أحمد في هذا السياق، هو تجاهل نص المادة 39 من الدستور الإثيوبي والتي تنص علي: أن لكل أمة وجنسية وشعب في إثيوبيا حق غير مشروط في تقرير المصير ، بما في ذلك الحق في الانفصال، إضافة إلي أن لكل أمة وجنسية وشعب في إثيوبيا الحق في اتخاذ إجراء كامل للحكم الذاتي الذي يشمل الحق في إنشاء مؤسسات الحكومة في المنطقة التي يسكنها والتمثيل العادل لكل أمة في الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم.

    وهو ما بدا واضحا مع تأسيس رئيس الوزراء الإثيوبي لما أسماه حزب الإزدهار، بعد حل الإئتلاف الحاكم والذي كان يعرف “بالجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية”، الذي كان يتألف من أربعة أحزاب سياسية عرقية هي – المنظمة الديمقراطية ‏لشعوب أورومو، وحركة الأمهرة الديمقراطية الوطنية، والجبهة الشعبية الديمقراطية الإثيوبية الجنوبية ‏والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وقد قام آبي أحمد بدمج هذه الأحزاب في حزب واحد وهو الحزب الذي أعلن عن إنشائه في نهاية العام الماضي ألا وهو “حزب الإزدهار”، وبالتالي رفضت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الإنضمام إليه، خصوصا وان ذلك سيترتب عليه إبعاد عرقية التيغراي عن المراكز السيادية بالدولة والتي كانت تسيطر عليها قبل قدوم آبي أحمد للسلطة.

    2-تأجيل الإنتخابات

    من أبرز العوامل التي أدت لتصعيد الأزمة في تيغراي هي بلا شك تأجيل الإنتخابات الوطنية في البلاد، ففي مارس / آذار من العام الحالي، أرجأ المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا، وهو هيئة مستقلة مسؤولة أمام مجلس النواب الإثيوبي ، الانتخابات الوطنية والإقليمية المقرر إجراؤها في أغسطس 2020 بحجة أن هناك مخاوف من إنتشار فيروس كورونا إذا ما تم إجراء الإنتخابات في موعدها،  فأدي ذلك لإنسحاب نواب إقليم تيغراي ، بمن فيهم رئيس مجلس الشيوخ، احتجاجا على ذلك، وتوترت العلاقات أكثر في سبتمبر / أيلول 2020 عندما أجرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الإنتخابات في تيغراي ، في تحد صريح للحكومة الفيدرالية في أديس أبابا ، وأعلنت فوزها بنسبة 98 في المائة من إجمالي التصويت الشعبي، الجدير بالذكر ايضا أن هذه الإنتخابات لم يشرف عليها مراقبون دوليون، وأعلن المشرعون الإقليميون الذين تم تنصيبهم حديثا في تيغراي على الفور أن الحكومة الفيدرالية تفتقر إلى الشرعية لحكم البلاد ورفضوا الاعتراف بها، كما وصفوا رئيس الوزراء بأنه ايضا غير شرعي لإنقضاء مدة ولايته القانونية، فقام البرلمان الإثيوبي بالرد سريعا بإعلان حل الحكومة المحلية بالإقليم، معتبرا أنها انتهكت الدستور وعرضت النظام الدستوري للبلاد بالكامل للخطر، وكان ذلك بالتزامن مع قطع الحكومة لخدمة الإنترنت والإتصالات تماما عن الإقليم.

    3-التهميش المتعمد من آبي أحمد لعرقية التيغراي

    منذ توليه منصب رئاسة الوزراء وبدا واضحا حجم الإضطهاد وحملات التمييز العرقية التي انتهجها ابي أحمد في تعامله مع كثير من عرقيات إثيوبيا ويأتي علي رأسهم عرقية التيغراي، فآبي أحمد كما ذكرنا ينتمي لعرقية الأورومو والتي ينتمي إليها القسم الأكبر من السكان في البلاد، وبالرغم من ذلك فآبي أحمد أول من يصل لسدة الحكم في إثيوبيا من الأورومو، علي النقيض تماما حظت عرقية التيغراي بتمثيل كبير في الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية وهو الإئتلاف الذي حكم البلاد لما يزيد عن 20 عام، وهذا ما شكل دافعا رئيسيا لدي آبي أحمد للتخلص من نفوذ أقلية التيغراي وتحجيم دورهم السياسي، وهو ما يعكس تواصل حملات رئيس الوزراء الإثيوبي من أجل الإطاحة بقيادات التيغراي المتواجدة في المواقع القيادية بالدولة، فأقصي آبي أحمد تحت مظلة مكافحة الفساد في التوريدات الخاصة بسد النهضة الكثير من جنرالات الجيش الذين ينتمون إلى قومية التيغراي، وكان ذلك بالتزامن مع تغييرات وزارية شملت وزير الخارجية ورئيس الأركان العامة ونائبه وقائد الشرطة الفيدرالية من أجل إحكام قبضته علي السلطة، بينما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي تعيينه قائدا جديدا على الجيش بالقيادة الشمالية الموجودة في إقليم التيغراي، أهم فرق الجيش الإثيوبي، ولكن تمت إعادة القائد المعين من آبي أحمد إلى أديس أبابا بطائرته، وعين حاكم التيغراي المنتخب والذي ينتمي للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي  قائدا من التيغراي على الجيش الإقليمي.

    تداعيات محتملة

    1-تفاقم أزمة اللاجئين

    مع بداية الأزمة في تيغراي، بدأت أولى الشاحنات المحملة باللاجئين الإثيوبيين في العبور إلى ولايتي القضارف وكسلا السودانيتين علي الحدود بين السودان وإقليم تيغراي الإثيوبي ، ووفقا لوسائل الإعلام المحلية ، فمن المقرر أن يتم إيواؤهم في العديد من مخيمات اللاجئين الجديدة التي يتم إنشاؤها لاستقبال الأشخاص الفارين من القتال في تيغراي.

    أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن أكثر من 14,500 رجل وامرأة وطفل فروا حاليًا من إثيوبيا إلى السودان المجاور منذ اندلاع الصراع بين الحكومتين المحلية والفيدرالية في منطقة تيغراي، وأضافت مفوضية اللاجئين إن القتال يقترب من المخيم، مما يثير مخاوف من حدوث نزوح جماعي، كما أوضحت أن تدفق اللاجئين الإثيوبيين يوفق قدرتها علي المساعدة، حيث عبر 4آلاف شخص في يوم واحد.

    وتتوقع السلطات السودانية أن يفر إلي السودان في الأيام القادمة قرابة ال200 ألف إثيوبي مع إستمرار الصراع الدائر في الإقليم.

    وهو ما يفوق قدرة السودان والذي يعاني حاليا من أزمة إقتصادية لم يتعافي من آثارها حتي الأن، رغم بوادر الأمل التي ظهرت مع إعلان عزم الولايات المتحدة علي رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، خصوصا مع إنفتاح حكومة حمدوك الإنتقالية علي المضي قدما في قطار التطبيع العربي مع إسرائيل.

    2-تأثير متوقع للأزمة علي حفظ السلام في دول الجوار الإثيوبي

    فكلا من الصومال وجنوب السودان يعتمدان على وجود قوات حفظ سلام إثيوبية كبيرة للمساعدة في الحد من إراقة الدماء بسبب النزاعات العرقية والطائفية الدائرة بهما، فمع إندلاع الأزمة في تيغراي قامت إثيوبيا بسحب ما يقارب الستمائة جندي من القوات التي نشرتها في منطقة الحدود الغربية للصومال ، ولقد أوضح تقرير أمني للأمم المتحدة حذر فيه من أن “عمليات إعادة الإنتشار التي تقوم بها أديس أبابا بالقرب من الحدود مع الصومال ستجعل تلك المنطقة أكثر عرضة للتوغلات المحتملة من قبل حركة الشباب الصومالية المتطرفة” ،لاسيما مع استمرار النزاع بين الحركة والحكومة الصومالية منذ سنوات عديدة،إضافة إلي اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الصومال – والتي من المقرر إجراؤها في أوائل عام 2021 بعد تأجيلات متعددة، ويمكن للفراغ الأمني الذي قد يخلفه سحب القوات الإثيوبية من الصومال أن يعرقل بشكل كبير ما تم إنجازه علي مدار سنوات من الجهود الدولية لتحقيق ما يشبه الأمن والاستقرار في الدولة المضطربة منذ فترة طويلة، ومن المتوقع أن يؤدي إستمرار الصراع بين القوات الفيدرالية الإثيوبية وقوات التيغراي إلي إعادة إنتشار أوسع للقوات الإثيوبية، وبالطبع عملية سحب لقواتها المتواجدة في الصومال وجنوب السودان، وهو ما سيؤثر بشكل كبير علي سمعة آبي أحمد الدولية، والتي أكتسبها لإعتباره كصانع سلام ووسيط لحل الأزمات، في منطقة مليئة بالإضطرابات السياسية والإنسانية، حيث كان يعد التواجد الإثيوبي في جوارها الإقليمي مصدر للإستقرار في منطقة القرن الإفريقي.

    3-إنقسامات عرقية جديدة تلوح في الأفق

    قد يشكل التمرد الحالي لعناصر التيغراي علي الحكومة الفيدرالية الإثيوبية حافزا كبيرا لعرقيات أخري داخل إثيوبيا للخروج علي نظام رئيس الوزراء آبي أحمد، خاصة في ظل التوتر المتصاعد ما بين الحكومة  وعرقيات كبيرة في البلاد يأتي علي رأسها عرقية الأمهرة ثاني أكبر مكونات الشعب الإثيوبي، والجدير بالذكر أن العام الماضي شهد ما أطلقت عليه الحكومة الإثيوبية بمحاولة إنقلاب في إقليم أمهرة، بعد مقتل حاكم الولاية ومستشاره، إضافة إلي مشاعر الغضب التي تحاصره حتي من قومية “الأورومو” التي ينتمي إليها، والتي ترى أنه لم يتمكن حتى الآن من معالجة مشكلاتها.

    بالإضافة إلي ذلك، من المتوقع مع إستمرار الأزمة في تيغراي، أن تحدث إنشقاقات كبيرة داخل الجيش الفيدرالي الإثيوبي، حيث ينتمي عدد كبير من قيادات الجيش إلي عرقية التيغراي، وهو ما سيشكل تهديدا كبيرا علي إستمرارية الحكم الفيدرالي بشكل عام في البلاد، مما يجعل من صعوبة حل الأزمة باستمرار الحل العسكري، وهو ما قد يفرض علي طرفي الصراع اللجوء لطاولة المفاوضات برعاية أممية أو بوساطة إقليمية أو دولية.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    شاركها.