بقلم: د.محمد سَلامي

    أجبرت التطورات الجديدة في المنطقة على مدار السنة الماضية القادة السعوديين على تغيير سياستهم الخارجية والتعامل مع هذه التطورات. سوريا بوضعيها الداخلي والخارجي واحدة من التطورات التي غيرت رأي السياسيين السعوديين نحو بشّار الأسد ووضعه السياسي.

    لواء السفر السريّ خالد الحميدان، رئيس المُخابرات السعودي في دمشق في الخامس من مايو، ولقاءه مع نظيره السوري في الاجتماع العلني الأول من نوعه بين السعوديّة وسوريا منذ اندلاع الحرب السورية قبل قرنٍ من الزّمن. عقب الاجتماع، حَضَر وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني مؤتمر للسياحة في عاصمة السعوديّة، الريّاض في السادس والعشرين من شهر مايو عام 2021.

    السعوديّة مُستعدة للمصالحة

    يرى الخبراء أنّ الرحلتان مُقدِّمة للمصالحة بين الدولتين، ونوعاً من المُراجعة لتصرفات محمد بن سلمان نحو بشّار الأسد. قال محمد بن سلمان سابقاُ في لقاء في مارس 2018، “بشّار باقٍ؛ لكن اعتقد بأنّ مصالح بشّار ألّا يدع الإيرانيين أن يفعلوا ما يشاءون.” أدرك محمد بن سليمان أنّه مع التواجد الروسي في سوريا؛ احتماليّة خلع بشّار الأسد ضئيلة جداً، لذا لجأ لعدّة حيل لضمّ بشّار إلى تحالفه. مثلما اقترح محمد بن سليمان لبشّار الأسد، أنّ تنفق الريّاض مبالغ ضخمة من الأموال على إعادة إعمار سوريا في حال تم قطع العلاقات مع إيران.

    منذ أن أُنتُخِبَ جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، أدرك محمد بن سلمان أنّه يجب أن يغيّر سياسته الخارجيّة في المنطقة. هذه التغيرات بدأت في بداية العام مع رفع العقوبات من قِبَل السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن قطر. الريّاض متورّطة في حرب ست سنوات مع اليمن وتحت ضغط الرأي العام لإنهاء الحرب؛ لذا في مارس 2021 اقترحت صفقة سلام مع اليمنيين الحوثيين. فعلت السعوديّة نفس الشيء مع تركيا. في أقل من شهر، تحدّث الملك سلمان عبر الهاتف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرّتين لتخفيف التوتّر بين الدولتين.

    أسباب للتغيير

    محمد بن سلمان لديه أسبابه وأهدافه لتغير رأيه نحو سوريا، الأمر الّذي أدّاه للتخلّي عن قراره لخلع بشّار الأسد والمضي قدماً بالمصالحة مع سوريا. هدف محمد بن سلمان الأول هو حل قضيّة اليمن. سوريا المركز الأصلي لمحور المقاومة. إيران وحزب الله ونظام الحكم السوري قد شكّلوا محور المقاومة في المنطقة، ومن المحتمل أن ينضم لهم الحوثيون حتى يصبحوا الركن الرابع للمقاومة. السعوديّة كانت تتفاوض مع إيران لفترة من الزمن بوساطة رئيس الوزراء الإيراني، واليمن كانت محور المفاوضات بين الدولتين.

    السعوديّة تسعى لخروج مُشرّف من اليمن وتسعى لاستغلال قدرة إيران لحل قضيّة اليمن، لذا السعوديّة تحاول المصالحة مع نظام بشّار الأسد لإرضاء محور المقاومة. طبعاً للسعوديّة هدف متناقض للمصالحة مع بشّار الأسد فيما يخصّ إيران. بمعنى آخر, بالإضافة إلى محاولة استغلال قدرات سوريا وإيران لحلّ القضيّة اليمنية، تحاول السعوديّة من ناحية أخرى منع إيران من السيطرة على سوريا، مع احتماليّة هزيمة معارضي بشّار الأسد.

    السبب الثاني للمصالحة السعوديّة مع سوريا يقع في تغيير المنظور الأمريكي نحو السعوديّة. بايدن متردد لمتابعة سياسة ترامب الإصلاحية مع المملكة، ويسعى لتغيير السلوك السعودي في المنطقة. أجبر بايدن السعوديّة على إنهاء الحرب في اليمن ودعاها إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في الدولة. سياسة بايدن المعادية للسعوديّة أجبرتها على إجراء تغييرات على سياستها الخارجيّة، مثل رفع العقوبات عن قطر والتفاوض مع إيران وتركيا والمصالحة مع بشّار الأسد. بهذه الطريقة, تريد السعوديّة أن تُرضي الولايات المتحدة وتحقيق التوازن معهم في نفس الوقت. محمد بن سلمان اكتشف أنّ مراجعة السياسة الخارجيّة أسهل وأقلّ تكلفة من إصلاحات محليّة لتحسين حقوق الإنسان.

    السبب الثالث هو أنّ السعوديّة ليست متخلّفة في أمور المصالحة بين الدول العربية وبشّار الأسد. الإمارات العربية المتّحدة والبحرين أعادوا افتتاح سفاراتهم في دمشق في ديسمبر 2018. عمان كانت الدولة الأولى لتعيد سفيرها إلى دمشق في الرابع من أوكتوبر 2020. العراق والجزائر وتونس ومصر جميعهم يوافقون على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. مع انتخاب بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسيّة في السادس والعشرين من مايو، الدول العربية تدعو بشكلٍ متزايد للمصالحة مع سوريا وعودة سوريا لجامعة الدول العربية.

    لا تريد السعوديّة أيضاً أن تتخلف في أمر المصالحة العربية مع بشّار الأسد. السعوديّة أبطأ من الإمارات في المصالحة مع بشّار الأسد؛ لإنّ أغلبيّة سكان الإمارات ليسوا عرب والإمارات ليست تحت ضغط الرأي العام، لكن السعوديّة يجب أن تُرضي الرأي العام لمواطنيها؛ نظراً للأجواء السلبية المحيطة ببشّار الأسد وتصويره كدكتاتور وقاتل للشعب السوري في الإعلام السعودي، وهذا سيستغرق بعض الوقت.

    لبنان سبب آخر لمصالحة السعوديّة لسوريا. تواجه لبنان أزمة اقتصاديّة، وتُلاحق إيران وسوريا والسعوديّة مصالحهم الخاصّة في هذا البلد. خسرت السعوديّة صراع السلطة ضد حزب الله في لبنان وإيران. تُدرك السعوديّة هذا جيداً وتحاول تخفيف تأثير ونفوذ إيران على لبنان عبر سوريا.

    تاريخياً، هناك تأكيد في دمشق أنّ مُلاحقة السعوديّة لمصالحها الخاصّة في لبنان سيكون دائماً بلا فائدة طالما ترفض التعاون والعمل مع سوريا. بالنسبة للريّاض، يبدو أنّ مصالح سوريا في لبنان لا تتماشى تماماً مع إيران. قد يُنظر إلى هامش الاختلاف هذا في عيون صُنّاع السياسة السعوديّة كعُذرٍ كافٍ لتقوية العلاقات الثنائيّة مع دمشق، مع منظور يحاول على الأقل اعتبار مجهود مُنسّق لإعادة التوازن للمشهد السياسي اللبناني في صالحهم.

    السّيرة الشخصيّة للكاتب: محمد سَلامي حامل شهادة دكتوراة في العلاقات الدوليّة. يكتب كمُحلّل وكاتب عمود في عديد من المنافذ الإعلاميّة. مجال خبرته يقع في مشاكل الشرق الأوسط، وهذا يتضمّن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وخاصّةً السعوديّة.

    شاركها.