اسلام عوض
أعلن مجلس النواب الليبي، عن إختيار فتحى باشاغا رئيسا للحكومة الليبية الجديدة، ورأى البرلمان الليبي فى طبرق، أن وجود عبدالحميد الدبيبة على رأس الحكومة لم يعد شرعيا، فقرر البرلمان تعيين شخص جديد، لقيادة المرحلة الإنتقالية لحين عقد الإنتخابات الرئاسية التى تم تأجيلها لأجل غير مسمى، وبالفعل أسفرت عملية التصويت التى أجراها البرلمان الليبي، عن إختيار فتحي باشاغا بالإجماع وزير الداخلية السابق فى حكومة الوفاق، وذلك بعد إنسحاب خصمه المرشح للمنصب، خالد البيباص، وبذلك ستكون ليبيا أمام مرحلة جديدة، غير واضحة المعالم حتى الآن، فى ظل إنتظار ما يمكن أن تحمله الفترة القادمة من تفاعل دولي وإقليمي مع التغيرات الجديدة فى النظام السياسي الليبي، وما يمكن أن يترتب على تعيين باشاغا من تداعيات فى الداخل الليبي.
موافقة مصرية حذرة
تظل مصر أحد أبرز الفاعلين فى ليبيا، وهناك من التحالفات والتفاهمات الموجودة فعليا بينها وبين عدد من الأطراف فى الداخل الليبي، من كافة الإتجاهات ولكن بنسب متفاوتة، وبالنظر لإختيار فتحي باشاغا رئيسا للوزراء، فإننا أمام ملف معقد، وذلك على الرغم أن مصر كانت أول المبادرين بدعم خطوة البرلمان.
و جاء التأييد المصري لتأييد باشاغا، عبر بيان رسمي من الخارجية المصرية، أكدت فيه ثقتها فى قدرة الحكومة الليبية الجديدة على تحقيق هذه الأهداف بما يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها علي أراضيها ويحقق أمنه، ولكن هذا الدعم من المتوقع أن يظل محاطا بحذر شديد من الجانب المصري.
خاصة أن مصر تعلم تماما، أن فتحي باشاغا ورغم تقربه فى الفترة الأخيرة من القيادة السياسية فى مصر، وزيارته للقاهرة فى أواخر العام الماضي، والتى أكد من خلالها على دعمه لما ترغب به القاهرة والمتمثل فى تحجيم المليشيات، وطرد المرتزقة التى أرسلتهم تركيا
ودول أخرى من البلاد، إلا أن باشاغا أيضا كان فى وقت سابق معاديا شديدا للسياسات المصرية فى ليبيا، وأحد أبرز قيادات حكومة الوفاق السابقة والتى عرفت بولائها لتركيا.
فلذا فإن مصر، ورغم موافقتها المبدئية لما أعلن البرلمان عنه بتعيين باشاغا على رأس الحكومة، فإنها أيضا ستتعامل بحذر شديد بخصوص موقفها المؤيد لحكومته، فباشاغا وصل للمنصب من خلال تفاهمات مع الأطراف فى الشرق وعلى رأسهم المشير حفتر، وبحصوله على رضا الأطراف الإقليمية التى كان قبل ذلك معاديا لها مثل مصر.
فمصر أيضا تدرك قيمة باشاغا فى ليبيا، وما يمتلكه من نفوذ وقوة على الأرض وبالتحديد فى مسقط رأسه مصراتة، والتى يتحكم فيها باشاغا بعدد كبير من الميليشيات المسلحة، والتى قد تمكنه كما مكنته سابقا فى ضبط الأوضاع الأمنية ولو نسبيا فى مناطق الغرب الليبي، أثناء فترة توليه لمنصب وزير داخلية حكومة الوفاق، فلذا فإن تأييد مصر لباشاغا سيكون نسبيا حذرا، ولن يكون تأييد كامل.
موقف دولي وإقليمي متباين
رغم صدور القرار بتعيين فتحي باشاغا رئيسا للوزراء، إلا أن هناك بعض القوى الإقليمية والدولية، لم تعلن عن رأيها بشكل رسمي وواضح، من هذا القرار، وتعتبر الأمم المتحدة الطرف الوحيد الذى كان فى البداية فى صف الدبيبة علانية، وهو ما صدر على لسان متحدثها الرسمي، ولكن مع تصاعد الأحداث بدأ موقف الأمم المتحدة يميل لإحداث نوع من الإنفتاح على باقي الأطراف، حيث أنها أعلنت يوم الخميس بإطلاعها على الآلية التي سيقوم بها المجلس لمنح الثقة للحكومة الجديدة، وذلك يدل على عدم معارضة الهيئة لتعيين باشاغا، وبهذا فالأمور تظل مفتوحة لديها على كافة الإحتمالات، بإنتظار نتائج الوضع على الأرض.
وبالنسبة للموقف الفرنسي فإنه على الأرجح لن يكون معارضا لقرار البرلمان الليبي، خاصة وأن باشاغا قد استطاع أن يتوصل لتفاهمات مع القوى الليبية فى الشرق وعلى رأسهم خليفة حفتر وعقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، وهم مقربين نسبيا للجانب الفرنسي، وبالطبع
روسيا كان متوقعا أن تدعم باشاغا، بسبب علاقتها الوطيدة بخليفة حفتر، وتواجد مستشاري شركة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة، فى مناطق سيطرة الجيش الليبي فى الشرق.
موقف تركيا، حتى الآن يشوبه الغموض، فرغم أن تركيا هى كانت أشد الداعمين لحكومة الدبيبة فى البداية، إلا أن الموقف التركي حاليا سيتغير كثيرا، وسيعتمد بشكل أكبر على مجريات الأحداث فى ليبيا، وتبعات قرار تولي باشاغا لرئاسة الحكومة، ومن ثم ستحدد موقفها النهائي، فلن تجازف القيادة التركية حاليا، لخطوة تأييد كامل لأحد الأطراف دون الآخر، وهو ما قد يحسب عليها بعد ذلك.
فتركيا مؤخرا، بدأت فى التقارب مع الأطراف التى كانت تعد معادية لها فى الشرق الليبي، وتتوصل معهم لتفاهمات ورؤى مشتركة، خاصة مع زيارة الوفد البرلماني الليبي لأنقرة منتصف شهر ديسمبر الماضي، وذلك برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، والتقى الوفد شخصيا بالرئيس أردوغان.
ليس ذلك فقط، بل أن الترحاب التركي الكبير بالإنفتاح على الشرق الليبي، لم يقتصر على هذا الحد فحسب، بل إن وزير الخارجية التركي نفسه، أعلن فى نهايات العام الماضي، بأن الشرق الليبي أقرب لتركيا، كما أن هناك مواطنون بالشرق من أصول تركية، كل هذه المساعي التركية تأتى فى ظل ثلاث عوامل ظهرت مؤخرا:
أولا: التقارب مع الإمارات مؤخرا، والتوافق النسبي مع مصر حول بعض الملفات، بل إن هناك بعض التنازلات قدمها الطرف التركي نظير هذا التقارب، ومنها المتعلق بالشأن الليبي، مما حفز الأطراف الليبية فى الشرق والغرب على تبادل الزيارات تارة لمصر وتارة للإمارات وأخرى لتركيا.
ثانيا: الأوضاع الإقتصادية الصعبة التى تمر بها تركيا، والغضب الشعبي داخل تركيا، والذى صاحبه إنخفاض كبير فى سعر الليرة التركية، وإرتفاع غير مسبوق فى أسعار السلع والخدمات بالبلاد، لاشك أن كل ذلك آثر على تخفيض حدة التعامل التركي فيما يخص الشأن الليبي.
ثالثا: الدوافع الإقتصادية الكبيرة لتركيا، للعمل بالشرق الليبي، حيث أن تواجد الشركات التركية فى الغرب غير كافي، خصوصا مع وجود مصالح إقتصادية كبيرة فى الشرق، لتضمن بذلك ترسيم واضح للحدود التى أعلنت عنها سابقا مع حكومة السراج السابقة، حيث توقفت
شركات تركية عديدة عن العمل فى مشاريع للنفط والغاز الطبيعي بليبيا نتيجة للخلاف القائم.
الإمارات و لعلاقتها القوية بالأطراف الموجودة فى الشرق الليبي وبخليفة حفتر، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، فمن البديهي أن تدعم إجراء البرلمان بتعيين باشاغا، ولعل التركيز الإماراتي الأكبر حاليا منصب على صراعها مع الحوثيين فى اليمن، خاصة بعد الضربات الحوثية الأخيرة فى العمق الإماراتي، ومؤكد أن ذلك هو أكثر ما يشغل تفكير النخبة السياسية فى الإمارات حاليا، ولكن تظل التفاهمات التركية الإماراتية الأخيرة خاصة مع زيارة الرئيس أردوغان للبلاد، موضع تساؤلات فى هذا التوقيت بالتحديد، وربما يكون الأكثر توقعا فيها أن تنتج عنها تفاهمات ثنائية بخصوص الوضع فى ليبيا، وربما صفحة تعاون مقبلة من الطرفين إلى جانب حكومة باشاغا الجديدة.
صورة ضبابية
حتى الآن، تظل الصورة فى ليبيا ما بعد تعيين باشاغا رئيسا للحكومة، أشبه بالضبابية، حيث سيخلف القرار مزيدا من الإنقسامات السياسية بالداخل الليبية، وقد يؤدى ذلك لصراع مسلح محتمل بين الميليشيات فى الغرب الليبي، خاصة مع إعلان الدبيبة رفضه لقرار البرلمان بتعيين فتحي باشاغا بدلا منه، وتمسكه بالبقاء فى منصبه حتى تتم الإنتخابات.
لكن الوضع على الأرض، يشير لقدرة الميليشيات التى يسيطر عليها باشاغا فى السيطرة على الأمر فى طرابلس وفى غرب ليبيا بشكل عام، حيث أن باشاغا من مؤسسي المجلس العسكري لمصراتة والذى كان له دور فعال بإتفاق الصخيرات، كما أن لباشاغا سلطة كبيرة بالنسبة لعناصر ميليشيات فجر ليبيا بمصراتة وغريان والزاوية وصبراتة أيضا، بالإضافة لدعمه من جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر فى الشرق، بجانب تحالف جهاز دعم الإستقرار بالعاصمة طرابلس، بالإضافة للدعم الإقليمي والدولي الذى بدأ يتزايد لحكومته.
ورغم ذلك، فإن المناوشات والمواجهات المسلحة بين الطرفين تظل واردة، خاصة فى ظل تمسك الدبيبة بموقفه رئيسا للوزراء، وتحرك بعض من الميليشيات المؤيدة له من مسقط رأسه بمصراتة وتمركزها بالعاصمة طرابلس أمام عدد من الدوائر الحكومية، بالإضافة لتباين
الموقف لدى إخوان ليبيا ممثلين فى ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، والذى كان وقت تعيين باشاغا مؤيدا لخطوة البرلمان، معتبرا أن وجود الدبيبة لم يعد شرعيا لتجاوزه الفترة القانونية، لكن الإنقسامات المحتملة داخل الجماعة قد تكون وراء عودة المجلس عن دعمه للخطوة وإنتقاد إجراء البرلمان فى إختيار باشاغا، وإعتبار إجراء التكليف بأنه غير سليم، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتأجيج الخلافات فى الفترة المقبلة.
ربما ستكون الحلقة الفاصلة فى الخلاف السياسي الحالي، هى مدينة مصراتة، مسقط رأس الدبيبة وباشاغا، حيث تتواجد بها ميليشيات مسلحة كبيرة، وقد يكون موقف زعماء قبائل المدينة عاملا فاصلا فى تحديد مستقبل العملية السياسية، خصوصا أن الثنائى من أبناء المدينة، ولكن تبقى كفة باشاغا هى الأرجح بشكل كبير فى مصراتة وفى باقي المناطق الليبية بصورة عامة، ولذلك لترجيح أغلب العوامل والقوى على الأرض لكفته، وحصده لتأييد عدد كبير من ميليشيات مصراتة حيث أنه يمتلك تاريخا عسكريا معروفا للجميع، بينما الدبيبة تنتمي قبيلته لطائفة التجار.
بعد اختيار باشاغا لرئاسة الحكومة.. مصر تدعم إجراءات البرلمان الليبي
رقب وحذر في ليبيا.. “إشارة دولية” تعزز فرص حكومة باشأغا
زيارة النويري إلى تركيا: انفتاح أنقرة على جميع الأطراف الليبية