بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    Andrew-K.P.Leung_في اجتماعه الذي طال انتظاره لمجموعة العشرين، وجها لوجه مع الرئيس شي جين بينغ، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن مجددًا أنه على الرغم من المنافسة القوية يجب تجنب الصراع بين البلدين. وأشار إلى الحاجة إلى التعاون في مجموعة من التحديات التي تشمل تغير المناخ، تخفيف عبء الديون، والأمن الصحي والغذائي العالمي.

    ووفقًا لتقارير الصحف الصينية، أكد بايدن على تعهداته السابقة بتجنب المواجهة مؤكداً على “اللاءات الخمس” و “ونفي النوايا الأربعة”: لا سعي لتغيير النظام، لا حرب باردة جديدة، لا تحالف ضد الصين، لا دعم لاستقلال تايوان، ولا دعم لـفكرة الصينين “Two Chinas”. لا نية للصراع مع الصين، لا نية للانفصال عن الصين، لا نية لعرقلة التنمية الاقتصادية للصين، ولا نية لاحتواء الصين.

    وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه التعهدات التسعة عينها لا تظهر في تصريحات واشنطن المتعلقة بهذه المسائلة! وبوضع المجاملات الخطابية والدبلوماسية جانباً، فمن المرجح أن تستمر المواقف والتدابير المناهضة للصين والتي يعززها إجماع قوي من الحزبين على “التهديد الصيني” الممنهج والذي يندد به “التحالف المهيمن” لحلفاء أمريكا من الغرب.

    ولقد شهدت بشكل مباشر هذه الآراء المناهضة باستمرار للصين بصفتي متحدثًا رسمياً خلال المؤتمر الدولي الأخير بعنوان “من أزمات إلى أزمات: نحو نظام عالمي جديد” – MEDays 2022 – الذي عقد في طنجة بالمغرب في الفترة من 2 إلى 5 نوفمبر. يبدو أن جميع كبار مستشاري السياسة الخارجية من كلا الجانبيين “يقصد الكاتب حزبي أمريكا الجمهوري والديموقراطي” يغنون من نفس كتاب الترانيم المناهض للصين.

    وانا أقر بوجود خلافات ومخاوف كبيرة بين الولايات المتحدة والصين. إلا أن بناء جسر مع حوار متعدد المواضيع سيكون أكثر إنتاجية من بناء أسوار وحواجز

    كيف تتعامل الصين مع ما يسميه الرئيس شي “مفترق الطرق” العالمي وسط التغييرات الهائلة التي لم تُرَ منذ قرن التي ضمنها في خطبته في قمة مجموعة العشرين السابعة عشرة في بالي (15-16 نوفمبر)، وفي قمة الرؤساء التنفيذيين لمنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك (17 نوفمبر)، وكذلك في خطاب رئيس مجلس الدولة لي كي تشيانغ في القمة الخامسة والعشرين بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) في بنوم بنه (11 نوفمبر).

    حدد شي رؤية واضحة ومستقبل مشترك لـمجتمع آسيا والمحيط الهادئ. فالمنطقة ليست ساحة خلفية لأحد ولا ينبغي أن تصبح ساحة لمنافسة القوى الكبرى بل يجب أن تتبنى الانفتاح والشمولية يقودها التنوع وعدم التمييز مما يتيح التعاون المربح للجميع وتكامل اقتصادي إقليمي خالي من أي اضطراب أو تفكيك لسلسلة التوريد.

    رفض شي عقلية الحرب الباردة ومواجهة الكتلة وطرح فكرة الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في مبادرة الأمن العالمي على أساس ميثاق الأمم المتحدة.

     ويقترح شي بالتحديد بناء منطقة تجارة حرة في آسيا والمحيط الهادئ تمثل إصلاح لمنظمة التجارة العالمية وتعمل على تحسين المواءمة بين ال RCEP، الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، واتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي.

    وبالنسبة لبقية العالم، فقد أكد شي أن رسم خطوط أيديولوجية أو تعزيز سياسات المجموعات والمواجهات بين الكتل لن يؤدي إلا إلى تقسيم العالم وإعاقة التنمية العالمية والتقدم البشري. بينما يتبنى هو مبادرة التنمية العالمية والتي بموجبها انضم أكثر من 60 دولة إلى مجموعة مؤيدي المبادرة.

    أنشأت الصين صندوق التنمية العالمي والتعاون فيما بين بلدان الجنوب وستزيد من تمويلها لـصندوق السلام والتنمية بين الصين والأمم المتحدة تعزيزًا لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

    يشير شي إلى تقديم الصين 15 مشروعًا إلى مجموعة العشرين (G20 Action) من أجل الانتعاش القوي والشامل والعمل مع أعضاء المجموعة عند التسليم.

    ويعارض الرئيس تسييس قضايا الغذاء والطاقة مشيراً إلى مبادرة الصين للتعاون الدولي بشأن سلاسل الإمداد والصناعات المرنة والمستقرة وشراكة التعاون العالمي في مجال الطاقة النظيفة ومبادرة التعاون الدولي بشأن الأمن الغذائي العالمي في مجموعة العشرين.

    من الواضح أن الصين تحت قيادة الرئيس شي استباقية في التطوع بشكل كبير للمساعدة في بناء عالم أفضل في مجتمع ذو مصير واحد ومرتبط بالتحديات العالمية مثل تغير المناخ، الأوبئة، الأمن الغذائي والمائي، الإرهاب، وتحديات التنمية. ويجب أن يكون هذا التصرف موضع ترحيب.

    السؤال المحوري هو ما إذا كانت الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الرائدة في العالم يمكن أن تتخطى “الاستثنائية الأمريكية” وعقلية “الفوز والخسارة”.

    لقد أساء الغرب فهم وتقدير الحزب الشيوعي الصيني لعقود، كما قدموه للعالم بصورة سيئة إن لم نقل شيطانية كلياً! ويشمل ذلك بعض المؤلفين، الجرائد، المجمعات الفكرية، المجلات ووسائل الإعلام الأخرى الأكثر احترامًا.

    ووصل ما يسمى بـالتهديد الصيني إلى ذروته حيث يصور التنافس بين الولايات المتحدة والصين على أنه مسألة حياة أو موت بين الديمقراطية والاستبداد. ويمكن رؤية ذلك في كتب مثل “ماراثون المائة عام – استراتيجية الصين السرية لتحل محل أمريكا كقوة عظمى عالمية كبرى” (2015)، كتاب “عودة تنافس القوى العظمى” (2020)، كتاب “منطقة الخطر – الصراع القادم مع الصين” (2022).  ووفقًا لمركز بيو أبحاث (PEW) بواشنطن، فإن وجهات النظر الغير مواتية للصين وصلت إلى مستويات ضخمة في العديد من البلدان.

    وبغض النظر عما تظهره واشنطن، ركزت تأكيدات بايدن في اجتماعه الذي استمر ثلاث ساعات مع الرئيس شي في بالي على جدران الحماية بدلاً من التفكير في السماء الزرقاء “أي أن عهوده تتعلق بالأمن ولا توحي بميل الولايات المتحدة للعلاقات البناءة”. من المرجح أيضًا أن تؤدي الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة لعام 2024 وانتخاب زعيم تايوان إلى تسييس القضايا التي قد تؤدي إلى إثارة اضطراب لن يؤدي بالضرورة إلى نشوب حرب لكن ومع ذلك لس متفائلاً بشأن الاختراق الدائم للولايات المتحدة في العلاقات الصينية.

    مع ذلك، فوفقًا لحسابات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ستشكل البلدان النامية ما يقرب من 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي على أساس تعادل القوة الشرائية بحلول عام 2030مما جعل المزيد من الدول واثقة بالقدر الكافي لتفكر في مصالحها الوطنية بشكل فردي أو جماعي متحديةً للقوى المهيمنة مستخدمة سياسة “لي الذراع”. ومن الأمثلة على ذلك رفض الأوبك (OPEC) الأخير لزيادة إنتاج النفط متجاهلاً رغبة الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تكون الصين أكبر شريك تجاري وأن ترحب بنظام عالمي أكثر شمولية لا يعتمد على أيديولوجيات معينة كما أقر الرئيس شي.

    ومع تراجع وباء كورونا واستئناف حركة الاقتصاد على جميع الاصعدة، فمن المرجح أن تعود الصين لمسارها في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الاسمية ربما بحلول عام 2030، وأن تصبح اقتصاد اشتراكي قوي وأكثر تقدمًا بحلول عام 2035 كما هو مخطط. بفضل زيادة إنتاجيتها (على الرغم من تدهور التركيبة السكانية) معزة بوساطة الروبوتات، الاقتصاد الرقمي، الابتكارات التكنولوجية، والتوسع الحضري فائق السرعة المتصل بالسكك الحديدية عالية السرعة وتوسيع الطبقة المتوسطة والتي ستصل بسرعة لنحو 800 مليون بحلول عام 2035.

    إذا تمكنت الصين من القضاء على مزاعم الغرب بشأن انتهاكات التجارة والملكية الفكرية وحقوق الإنسان، فمن المرجح أن تكتسب أفكار ومبادرات الرئيس شي المقترحة لمجتمع عالمي ذو مصير مشترك اقبالاً كبيراً وسريعاً وتستعيد الصين قوتها ومكانتها التي تليق بها وتحقيق حلم الصين بالنهضة الوطنية في نهاية المطاف.

    أندرو كي بي ليونج هو خبير استراتيجي دولي ومستقل في شؤون الصين. شغل سابقًا منصب المدير العام للرعاية الاجتماعية والممثل الرئيسي الرسمي لهونج كونج بالمملكة المتحدة، أوروبا الشرقية، روسيا، النرويج وسويسرا.

    تم نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة دايلي الصينية بهونغ كونغ وأعيد نشره بإذن من المؤلف والصحيفة.الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف فقط وليس بالضروري أن تعكس وجهة نظر World Geostrategic Insights.

    شاركها.