اسلام عبد المجيد عيد
مع الإعلان رسميا عن إنتهاء الإنتخابات الأمريكية والتي أستطاع أن يحسمها جو بايدن لصالحه بعد أن تفوق علي منافسه الجمهوري دونالد ترامب ،وجاء الإعلان عن فوز بايدن بعد أن استطاع حسم نتيجة ولاية بنسلفانيا لصالحه بعد أن كانت تشهد في البداية تفوقا لمنافسه الجمهوري، ليصبح بايدن بذلك رئيس الولايات المتحدة السادس والأربعين ، ويأتي ذلك في ظل حالة من الترقب الشديد في مختلف أرجاء العالم، لما ستسفر عنه سياسات الرئيس المحتمل من تداعيات، خاصة وأن واشنطن تمتلك نصيب الأسد من التأثير علي النزاعات والصراعات الدائرة في النظام الدولي بأكمله منذ عقود طويلة.
ليبقي السؤال الأهم: ما الإستراتيجية المحتملة لسيد البيت الأبيض القادم، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الساخنة المستمرة حاليا في الشرق الأوسط، ويعد أهمها مستقبل الإتفاق النووي مع إيران ومستقبل العلاقات مع الحلفاء في الخليج، إضافة إلي السيناريو المحتمل لعملية تطبيع دول المنطقة مع إسرائيل.
لكن موضوعنا هنا، يتعلق بمسألة أخري كان الحلقة الأبرز فيها هو الرئيس القادم جو بايدن، ألا وهي المتعلقة بمشروع تقسيم العراق إلي ثلاثة أقاليم فيدرالية (إقليم للشيعة في الجنوب، وإقليم للسنة في غرب وشمال العراق، وإقليم كردي وهو موجود بالفعل)، ففي سبتمبر/آيلول من عام 2007، قام مجلس الشيوخ الامريكي بإقرار خطة غير ملزمة لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم فيدرالية على أسس طائفية وعرقية، وكان جو بايدن حينها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وهو من قام بنفسه بتقديم هذا المشروع.
تمسك ملحوظ من بايدن بمشروع التقسيم
ترجع بداية إقتراح بايدن لمشروع التقسيم في العراق، إلي عام 2006 ، والذي شهد أعنف لحظات الطائفية في تاريخ العراق، حيث كانت المعارك الدموية علي أشدها بين الشيعة والسنة في البلاد،وعانت البلاد حينها من حوادث الخطف والإغتيالات القائمة علي أساس الهوية المذهبية، وهو ما دفع جو بايدن في مقاله في صحيفة النيويورك تايمز حينها إلي طرح مشروع الأقاليم الثلاثة في العراق، معللا ذلك أن الفيدرالية هي الحل الأنسب للبلاد في هذه المرحلة.
وكانت الخطوة الأبرز لبايدن في هذا السياق، هو ما ذكرناه بخصوص تقديم المشروع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في سبتمبر 2007، ولكن خلال هذه الآونة قد يبدو إقتراح بايدن راجعا إلي ما مر به العراق، وأنه مجرد إقتراح بسيط فقط لن يتجاوز في مداه فترة الحرب الأهلية، وهو ما لم يحدث، حيث عاد بايدن من جديد، وأكد تمسكه بهذا الحل في مقال نشر في صحيفة “واشنطن بوست” في أغسطس/ آب 2014، حيث ذكر فيه ضرورة إنشاء “نظام فيدرالي فعال” كوسيلة لتجاوز الانقسامات في العراق، واضاف ايضا أن ” الإنقسامات الطائفية العميقة، وانعدام الثقة السياسية،هي التي استنزفت قدرات القوات الأمنية العراقية، وعززت من قدرات مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. ودعا إلي تحقيق عملية تسوية حقيقية بين الأطراف العراقية كلها، مبينا أن أميركا لا تريد أن تكلف العراقيين ما يفوق طاقتهم، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من قبل العراقيين أنفسهم.
الإطار الدستوري لتشكيل الأقاليم في العراق
دستور 2005 العراقي، سمح بتشكيل الأقاليم، وحدد ضوابط معينة لقيامها، حيث قد تقوم محافظة واحدة أو أكثر بتشكيل إقليم حسب الدستور.
فقد نصت المادة 116 من الدستور على: “يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية”، وهو ما يعني إنتقال العراق من نظام الحكم الوحدوي إلي الفيدرالية الإتحادية.
واستكملت المواد اللاحقة إقرار الأقاليم وفق المواد الأربع (117 – 121) من الدستور، الذي شرع وفق المادة 119 الحق في تشكيل الوحدات الإدارية لتكوين الإقليم، حيث جاء النص كالآتي: “يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه”، ويقدم بإحدى الطريقتين: أولا: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، وثانيا: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، إضافة لذلك سمح بدستور خاص للإقليم وفق المادة 120″تشريع دستور له يحدد سلطات الإقليم “، كذلك فإن للإقليم صلاحية ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية”.
وأقر هذا الدستور ايضا إنشاء قوات وحرس خاص للإقليم فوفقا للمادة 121 والتي تنص علي الآتي: “إدارة الإقليم وإنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي وحرس الإقليم، وتختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم”.
إذا فالدستور شرع حق إنشاء الأقاليم، وهو ما يضع العراق كبلد يمتاز بالتنوع العرقي والديني، أمام خطر التقسيم في أي لحظة، خاصة مع ضعف السلطة المركزية في بغداد وعدم قدرتها علي إحكام قبضتها علي زمام الأمور.
السيناريوهات المحتملة
يبقي التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في الفترة القادمة أمرا معقدا للغاية، خاصة مع وصول جو بايدن إلي السلطة ، فالمستقبل الذي ينتظر مشروع الأقاليم الثلاثة مازال منفتحا علي كل الإحتمالات الممكنة، ويبقي العامل والمحرك الأساسي لهذا المشروع في الأيام القائمة، قائما في الأساس علي طبيعة الدوافع الموجودة لدي سيد البيت الأبيض القادم جو بايدن، إضافة إلي مدي تجاوب الأطراف الداخلية في العراق مع هذا المشروع، في ظل أزمة إقتصادية يعاني منها العراق وكافة دول المنطقة العربية بشكل عام، وهو ما يضعنا أمام أحد السيناريوهات التالية:
1-تصاعد فرص التقسيم مع وصول بايدن
وهذا السيناريو الأول سيقوم حتما علي عدد من العوامل الهامة وهي:
1-رغبة جو بايدن الواضحة في المضي قدما في مشروع التقسيم، خصوصا أن ذلك سيكون له آثر كبير علي الخصم الإيراني، فطهران حاليا تمتلك نفوذا هائلا بالعراق، والتقسيم سيكون من شأنه الحد من هذا النفوذ، حيث سيسمح مشروع الأقاليم الثلاثة للولايات المتحدة بتشكيل تحالفات مع الساسة السنة في الإقليم الجديد، بعيدا عن قبضة السلطة المركزية في بغداد والتي تضم عددا كبيرا من الموالين لطهران، كما فعلت أمريكا مع حلفائها الكرد في إقليم كردستان شمال العراق، وهو ما سيكون كفيلا بتقليص مساحة النفوذ الإيراني في العراق.
2-الديمقراطيون بشكل عام ، يسيرون في نفس الإتجاه الذي يتبناه جو بايدن، خاصة فيما يخص ملف الشرق الأوسط، والجدير بالذكر أن بايدن نفسه كان مسئولا عن ملف العراق، حينما كان نائبا للرئيس باراك أوباما.
3-التحرك الحالي في المنطقة الغربية بالعراق، وبالتحديد محافظة الأنبار فيما يخص تشكيل إقليم سني، والشكوي المستمرة من استمرار حملات الإختطاف والإعتقال القسري لأبناء المنطقة، حتي فيما بعد خروج تنظيم داعش من الأنبار، وما شجع أنصار هذا الإتجاه ايضا في الأنبار اكتشاف حجم الموارد الهائلة من الغاز والنفط والفوسفات والسيلكا العالية النقاوة ومعادن أخرى، اضافة إلي أن الأنبار تحتوي على ثروات طبيعية هائلة، ففيها أكبر مخزن غاز في الصحراء الغربية (حقل عكاز) الذي يحتوي حسب التقديرات الجيولوجية علي 53 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في الصحراء الغربية، والذي لم يتم إستغلاله حتي الآن.
2-صعوبة المضي في مشروع التقسيم حاليا
يستند السيناريو الثاني علي عاملين وهما:
1-الطبيعة الديموغرافية للعراق تجعل عملية التقسيم معقدة، فهناك أقليات عديدة في العراق غير العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد، أبرزها التركمان والمسيحيين والصابئة واليزيدية، حيث لم تتطرق خطة بايدن إلى مصيرهم في ظل التقسيم الثلاثي المقترح، ايضا كل مجموعة عرقية من سكان العراق المسلمين، وبخاصة العرب والأكراد والتركمان، تنقسم من الناحية الطائفية إلى سنة وشيعة، كما أن كل عشيرة من العشائر العربية في وسط وجنوب العراق تنقسم تاريخيا ومذهبيا إلى عشائر سنية وشيعية.
2-هناك تغيرات جيوسياسية كبيرة طرأت علي المنطقة، عما كان عليه الحال في عام 2003 وفي ظل الحرب الأهلية في 2006، إذ أن الولايات المتحدة حاليا لم تعد تمتلك نفس التأثير الذي كانت تمتلكه إبان الغزو الأمريكي للعراق، فصياغة السياسة العراقية لم تعد مرتبطة حصرا بالولايات المتحدة بل أصبحت في حاجة ماسة للتوافق مع طهران، ومشروع التقسيم سيتطلب العديد من العوامل لن تستطيع القيادة الأمريكية حاليا بمفردها تنفيذها علي أرض الواقع، خاصة وان الديمقراطيين حتي أثناء فترة الرئيس أوباما كانوا يرون أنه لا فائدة من الإنخراط الكبير في قضايا الشرق الأوسط.
إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط