بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    Andrew-K.P.Leung_هناك تصور غربي شائع بأن النهوض المستمر للصين لم يعد كما كان في السابق “لا يمكن إيقافه”، بسبب معدلات النمو التي أصبحت بطيئة بشكل ملحوظ، إلى جانب التقدم السريع في السن بالنسبة للساكنة، الاكتظاظ في الموصلات وغيرها من وسائل النقل، القدرات المبتكرة المقيدة بشكل أكبر، الزيادات الضعيفة في الإنتاج، إلى جانت عدائية الجغرافيا السياسية الخارجية.

    تتساءل جريدة الإيكونيميست في 11 مايو، “هل القوة الصينية على وشك أن تبلغ ذروتها؟”، مسلطا الضوء على توقعات بنك جولدمان ساكس المنخفضة كثيرا بالنسبة لاقتصاد الصيني الذي كان من الممكن أن يتجاوز الولايات المتحدة بحلول عام 2035 إلا أن التنبؤ الأكثر سوء من قبل شركة كابيتال إيكونوميكس، التي تعتبر شركة أبحاث، بأن الصين قد لا تكون قادرة على تجاوز الاقتصاد الأمريكي أبدا، وبدلا من ذلك من المرجح أن تبلغ ذروتها بنسبة 90% من حجم أمريكا بحلول عام 2035. نظرا لأن الصين بها أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، فإن هذا التشاؤم يفترض مسبقا أن إنتاجية الفرد في الصين لن تتجاوز ربع مثيلتها في لأمريكا.

    تقوم الإيكونيميست برفع، دون الأخذ بعين الاعتبار، تحذير هال براندز ومايكل بيكلي المثير للجدل من أن ” ذروة الصين” “تواجه الاضمحلال”، قد تخوض في حرب لتوحيد تايوان بشكل استباقي قبل فوات الأوان، بغض النظر عن ثلاث أوراق بيضاء تؤكد من جديد تفضيل بكين للتوحيد سلمي.

    بغض النظر عن هذه الأحداث، فإن تأملات “ذروة الصين” هذه واسعة النطاق. فمن الطبيعي أن تحقق الاقتصادات الأكبر والأكثر نضجا معدلات نمو أكثر اعتدالا. مجرد إلقاء نظرة على الاقتصادات الغربية المتقدمة، مثل الولايات المتحدة. نرى أن الصين سعت بعد عقود من نمو الناتج المحلي الإجمالي السريع “غير المستقر وغير المتوازن وغير المنسق وغير المستدام”، إلى تحقيق نمو ذو جودة عاليا، منصف اجتماعيا ومستدام بيئيا.

    مع ضرورة تحقيق “الرخاء المشترك”، فإن الحوكمة القائمة على أساس الشعب في الصين موجهة لتحقيق رفاهية 99%، بدلا من الاعتماد على النخبة التي تصل إلى 1% فقط في بعض البلدان المتقدمة.

    حينما تم انتشال أكثر من 800 مليون صيني من الفقر المدقع، نجد أن هناك 37.9 مليون أمريكي محاصرون في الفقر، وفقا لمكتب الإحصاء الأمريكي، حيث يعاني الكثيرون من التشرد في المناطق الحضرية، والرعاية الصحية التي لا يمكن تحملها، تعاطي المخدرات، ومعدل السجن المرتفع.

    أفاد المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية أنه في عام 2021، كان 10 في المائة من الأمريكيين الأغنياء يمتلكون ما يقرب من 70 في المائة من ثروة الولايات المتحدة، مرتفعا من حوالي 61 في المائة في نهاية عام 1989، في حين أنه 50 في المائة من الطبقة الدنيا يمتلكون حوالي 2.5 في المائة من ثروة الأمة.

    يمثل تدهور التركيبة السكانية تحديا حقيقيا. ومع ذلك، يواصل حوالي ثلث 150 مليون صيني تتراوح أعمارهم بين 60 و69 عاما العمل، حيث تحسن متوسط العمر المتوقع في الصين بشكل كبير.

    سن التقاعد الإلزامي في الصين للرجال 60، و55 بالنسبة للنساء العاملات في المكاتب و50 لعاملات الياقات الزرقاء. إن تخفيف سن التقاعد موجود بالفعل في البطاقات، وكذلك الحوافز المالية الكبيرة، ومرافق رعاية الأطفال، وغيرها من المزايا التعليمية وتربية الأطفال.

    بدلا من كثافة اليد العاملة، أصبحت إنتاجية الصين مدفوعة بشكل متزايد بروبوتات المصانع، وميكنة الزراعة المكثفة، والرقمنة في كل مكان، والربط الوطني للسكك الحديدية عالية السرعة. أصبحت أنظمة توصيل الطائرات بدون طيار وكلا من الفنادق والمطاعم والمتاجر ومحلات التجارية التي لا يوجد بها موظفين والتي تعتمد على الاتصال الرقمي والأوتوماتيكيات والروبوتات أمرا مألوفا.

    فيما يتعلق بالقدرة الابتكارية للصين، وجد تقرير معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي (ASPI) الصادر في 1 مارس أن الصين تتصدر 37 من 44 تقنية مهمة تم تقييمها، وغالبا ما تنتج أكثر من خمسة أضعاف الأبحاث عالية التأثير مثل أقرب منافسيها، الولايات المتحدة الأمريكية.

    تستند دراسة معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي إلى تحليل أعلى 10 بالمائة من الأعمال الأكثر استخداما والتي تعتبر أكثر الأعمال التي تم الاستشهاد بها بين عامي 2018 و2022 – أي ما مجموعه 2.2 مليون عمل.

    من بين فئات التقنيات الهامة، تهيمن الصين في جميع القطاعات الفرعية في المواد المتقدمة والتصنيع؛ الطاقة والبيئة؛ والاستشعار والتوقيت والملاحة الضوئية؛ مع قيادة كبيرة في جميع الفئات الأخرى، والتي تشتمل على الذكاء الاصطناعي والحواسيب والاتصالات؛ الإحصائيات والتشفير والاتصالات وأجهزة الاستشعار؛ التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا الجينات واللقاحات؛ والدفاع والفضاء والروبوتات والنقل.

    تقع كل هذه التقنيات في قلب الثورة الصناعية الرابعة والثورة الصناعية الخامسة، حيث تم تعيينها لإعادة تعريف كيفية عيش الناس، وكيفية إدارة الأعمال، وكيفية قياس القوى الوطنية في القرن الحادي والعشرين.

    باستثناء رقائق أشباه الموصلات النانوية المتطورة، فإن هيمنة الصين التكنولوجية ليست مفاجئة. منذ منتصف عام 2000، كانت الصين تنتج باستمرار المزيد من شهادات الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بشكل أكبر من الولايات المتحدة. بحلول عام 2025، ستنتج الجامعات الصينية أكثر من 77000 درجة دكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنويًا مقارنة بحوالي 40000 في الولايات المتحدة. باستثناء الطلاب الدوليين، سيفوق عدد خريجي الدكتوراه الصينيين في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات نظرائهم الأمريكيين بأكثر من 3-1، وفقا لمركز جامعة جورج تاون للأمن والتكنولوجيا الناشئة. في مواجهة التعريفات الأمريكية العشوائية وحرمان الوصول إلى التكنولوجيا، أثبتت الصين مرونتها الاقتصادية كأكبر تاجر ومصنع في العالم، وهي جزء لا يتجزأ من سلاسل التوريد والقيمة العالمية، بما في ذلك الأتربة النادرة الحرجة. من المفيد أن “فك الارتباط” الذي تقوده الولايات المتحدة قد يتحول الآن إلى “إزالة المخاطر”.

    في كتابه الجريء “المستقبل آسيوي”، يؤكد باراج خانا أن القرن التاسع عشر شهد أوروبنة العالم، والقرن العشرين شهد أمريكنة العالم، بينما يشهد القرن الحادي والعشرين آسيونة العالم، وهي نظام متعدد الحضارات يمتد من الصين وإندونيسيا واليابان وتركيا والمملكة العربية السعودية وروسيا إلى أستراليا، هذا النظام سيربط أزيد من 5 مليارات شخص عبر التجارة والتمويل والبنية التحتية والشبكات الدبلوماسية، وتمثل 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

    اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة للمنطقة (RCEP)، التي تضم 10 دول من جمعية دول جنوب شرق آسيا وشركائها التجاريين الرئيسيين – الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا – أصبحت الآن أكبر مجموعة تجارية وأكثرها ديناميكية في العالم، حيث تمثل ثلث سكان العالم وثلث الاقتصاد العالمي، وعددا هائلا من المستهلكين في الطبقة المتوسطة المتنامية في العالم. وباعتبارها أكبر دولة تاجرة ومصنعة في العالم، تحتل الصين المكانة الاقتصادية الحيوية في قلب RCEP.

    لقد ازدهر الآن تسليح الدولار لفرض العقوبات في جميع أنحاء العالم، كما هو موضح في كتاب لأغاثا ديماريه: كيف تعيد العقوبات تشكيل العالم ضد المصالح الأمريكية.

    وهناك الآن تيار خفي قوي “للتخلص من الدولار” بين مختلف تجمعات البلدان النامية مثل مجموعة BRICS (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ومنظمة شنغهاي للتعاون، ناهيك عن اليوان الرقمي سريع التطور في الصين كعملة سيادية بديلة للتجارة الدولية.

    بحلول عام 2035، سيمثل العالم النامي حوالي 60 في المائة من الاقتصاد العالمي، استنادا إلى القوة الشرائية، وفقا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن مجلس المؤتمر. ان غالبية الدول النامية لديها الصين كأكبر شريك تجاري لها ، والعديد منها يتحرك وفق مخططاتها.

    تستعد الصين بنشاط للإصلاحات الداخلية، بعد أن تقدمت بطلب الانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادي، التي تفرض معايير دولية أعلى. والتي نأمل ألا تخرج هذه الإصلاحات التي طال انتظارها عن مسارها بسبب التعصب الذي يمنع قبول الصين.

    ما يُعرف بشعار “ذروة الصين” قد يكون افتراضا خاطئا، حيث يفترض أن الصين تسعى لتجاوز الولايات المتحدة وتحل محلها كقوة مهيمنة على العالم. فقد أكد الرئيس شي جين بينغ مرارا وتكرارا على أن الهدف المئوي الثاني للحلم الصيني هو أن تصبح الصين “دولة اشتراكية قوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وحديثة”. ومن هذا المنطلق، فإن التطلعات الصينية لا تعني بالضرورة السعي إلى الهيمنة العالمية.

    على الرغم من الشكوك الغربية الأولية، تسعى مبادرة الأمن العالمي الصينية إلى تعزيز الحوار عوضا عن المواجهة، والشراكة عوضا عن التحالفات المعادية، والتعايش المربح للجانبين عوضا عن الصراع الصفري الذي لا يربح أي طرف. كما تهدف مبادرة التنمية العالمية الصينية إلى معالجة نقص البنية التحتية في العالم النامي، وتحقيق حياة أفضل لشعوبه، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وقد تم تصميم كلتا المبادرتين لمعالجة الأسباب الجذرية التي تعوق تطور عالم أكثر عدالة وسلام وازدهار.

    على أي حال، وبغض النظر عن الأفكار الخاطئة حول “ذروة الصين”، و مما لا مجال للشك فيه فأن الصين ستستمر في الحفاظ على هدوئها والمضي قدما في تحقيق حلم الصين في عالم أفضل.

    الكاتب خبير استراتيجي دولي ومستقل في الصين. شغل سابقًا منصب المدير العام للرعاية الاجتماعية والممثل الرئيسي الرسمي لهونج كونج للمملكة المتحدة وأوروبا الشرقية وروسيا والنرويج وسويسرا.

    (الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر World Geostrategic Insights).

    نُشر في الأصل باللغة الإنجليزية في  China Daily 

    شاركها.