اسلام عبد المجيد عيد

    في الأيام القليلة الماضية، بادرت المغرب بعملية عسكرية في منطقة الكركرات الحدودية بالصحراء الغربية بعد توتر متصاعد في المنطقة منذ أسابيع، وأكدت الخارجية المغربية أن “تحركات البوليساريو في الصحراء المغربية ينسف فرص إطلاق العملية السياسية”، وأضافت أن الرباط قررت التحرك عسكريا لمواجهة ما أسمته  “استفزازات ميليشيا البوليساريو الخطيرة”.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    تعود جذور الصراع بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو إلي منتصف السبعينيات من القرن الماضي، فلقد تأسست حركة البوليساريو في 20 مايو 1973، حيث كان الهدف منها في البداية تحرير الصحراء من الإستعمار الإسباني، الذي تم الإعلان عن إنتهاء إحتلاله للصحراء الغربية رسميا بعد توقيع إتفاقية مدريد مع كلا من المغرب وموريتانيا في 14 نوفمبر من عام 1975

    ونص الاتفاق على اقتسام الصحراء بين المغرب وموريتانيا، وتم منح موريتانيا منطقة وادي الذهب والمغرب منطقة الساقية الحمراء ومقابل ذلك احتفظت إسبانيا باستغلال الفوسفات من مناجم بوكراع كما احتفظت بقواعد عسكرية قبالة جزر الكناري، ولكن سرعان ما أعلنت نواكشوط  في العاشر من يوليو عام 1978التنصل من إلتزاماتها في إتفاقية مدريد،بعد انقلاب عسكري، أطاح بالرئيس الموريتاني المختار ولد داداه الذي كان يعتبر حليفا للمغرب، ليصبح بعد ذلك قائد أركان الجيش الموريتاني المصطفى بن محمد السالك رئيسا للبلاد،ووقعت موريتانيا عام 1979 اتفاق سلام مع “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي تعلنها البوليساريو من جانب واحد لتعلن نواكشوط منذ هذه اللحظة وقوفها علي الحياد التام بخصوص قضية الصحراء الغربية ، وليصبح بعدها الصراع ثنائيا ما بين المغرب وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، كما أقرت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1975 وجود روابط بين الصحراء الغربية والمغرب وموريتانيا أثناء فترة الإستعمار الإسباني، لكن المحكمة اعتبرت هذه الروابط غير وثيقة ولا ترقي لدرجة السيادة لأي من البلدين عليها، بما يعني أن الصحراء الغربية إقليم غير محكوم ذاتيا، وهذا ما ترتب عليه أن يظل النزاع بين الجانبين محتدما حتي عام 1991، والذي شهد توقيع الطرفين علي إتفاقية وقف إطلاق النار، مع الإعتراف بحق شعب الصحراء في تقرير مصيره، وأصدر مجلس الأمن الدولي قرار رقم 690، في 29 إبريل لعام 1991 والذي يقضي بتشكيل بعثة المينورسو من أجل الإشراف علي إستفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية وهو ما لم يتم تنفيذه حتي هذه اللحظة،ويسيطر المغرب على 80 في المئة من مساحة الصحراء الغربية الممتدة على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع،  ويتعامل معها مثلما  يتعامل مع باقي أقاليم ومدن المملكة الأخرى، بينما تتركز معظم قوات البوليساريو في مناطق منخفضة الكثافة السكانية في الصحراء وفي مخيمات لجوء في الجزائر المجاورة، خاصة في مدينة تندوف، ويقدر عدد اللاجئين الصحراويين بها بما بين 100 ألف إلى 200 ألف شخص ، وتعد الجزائر الداعمة الرئيسية لجبهة البوليساريو ويرجع ذلك لعداء تاريخي بين المغرب والجزائر بسبب ما خلفه التقسيم الإستعماري الفرنسي للحدود بين البلدين مما أدي لإندلاع ما عرفت حينها بحرب الرمال عام 1963، وهو ما خلف التوتر الذي لازالت آثاره تهيمن علي العلاقات المغربية الجزائرية حتي الآن.

     عودة لهجة التصعيد مرة أخري

    في الأيام الأخيرة عاد التوتر من جديد إلي الصحراء الغربية، بسبب إغلاق عناصر من البوليساريو لمعبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا لما يقارب الثلاثة أسابيع، معتبرة أن المغرب تعرقل عملية إرسال مبعوث أممي جديد للصحراء الغربية منذ إستقالة المبعوث الأممي السابق هورست كولر في مايو/آيار 2019 لأسباب صحية.

    إضافة إلي عدم تقبل الشعب الصحراوي للحلول التي تعتبرها الجبهة حلولا واهية، وتصميمها علي حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، كما نص إتفاق وقف إطلاق النار عام 1991، وتشكلت علي أساسه بعثة المينورسو التي كانت من المفترض أن تشرف علي إستفتاء تقرير المصير، رغم إقتراح المغرب إعطاء الحكم الذاتي للصحراء الغربية وهو ما ترفضه جبهة البوليساريو.

    من جانبه أضاف “محمد سالم ولد السالك” وزير خارجية ما يعرف بالجمهورية العربية الصحراوية: أن المغرب يستخدم طريق الكركرات لنهب الموارد الطبيعية للشعب الصحراوي.

    واعتبرت الجبهة أن العملية العسكرية التي قامت بها المغرب لإعادة فتح معبر الكركرات الحدودي في المنطقة العازلة باتجاه موريتانيا، بمثابة إعلان لحالة الحرب، وأن هذه العملية تمثل خرقا واضحا لإتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ 1991 برعاية الأمم المتحدة بعد نزاع مسلح استمر منذ عام 1975

    التمثيل الدبلوماسي المتزايد في الصحراء وفرض الامر الواقع علي البوليساريو

    تتواصل عمليات التمثيل الدبلوماسي الأجنبي في الصحراء الغربية، من خلال فتح عدد من الدول الإفريقية لقنصليات بها ، وهو ما تعتبره جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر إنتهاكا صارخا للقانون الدولي، وعملا استفزازيا يهدف إلى تقويض عملية تسوية مسألة الصحراء الغربية التي تتم تحت رعاية الأمم المتحدة.

    وبدأت عمليات فتح القنصليات في الصحراء الغربية منذ آواخر العام الماضي، وكانت جمهورية جزر القمر أول بلد يفتتح قنصلية بمدينة العيون في كانون الأول/ديسمبر، تلتها قنصلية أخرى لغامبيا بمدينة الداخلة في بداية يناير من العام الحالي، ثم تلتهما جمهوريتا غينيا والغابون بفتح قنصليتين بمدينتي الداخلة والعيون آيضا، وتواصل الزحف الإفريقي ليصل حتي هذه اللحظة عدد الممثليات الدبلوماسية الأجنبية التي تستضيفها الصحراء الغربية وبالتحديد من الدول الإفريقية إلي ثمان ممثليات دبلوماسية.

    ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه عدد من الدول العربية عزمها علي إفتتاح قنصليات لها بالصحراء الغربية، كانت علي رأسهم الإمارات التي أعلنت أنها ستقوم بفتح قنصلية عامة لها في مدينة العيون فيما وصفته ابوظبي بأنه يأتي تجسيدا لموقفها الثابت في الوقوف مع المغرب في قضاياه العادلة في المحافل الإقليمية والدولية، تلتها ليبيا التي عقد بعض مسؤوليها عدة إجتماعات مع السلطات المغربية للتحضير لإفتتاح قنصلية عامة ليبية في مدينة العيون،علي إثر ذلك قررت السلطات الليبية إرسال وفد إلى العيون لتحديد المواقع اللازمة وإختيار المقر الذي سيضم الممثلية الدبلوماسية في الفترة القادمة.

    ولعل أخر الدول العربية التي أعلنت عزمها فتح ممثلية دبلوماسية لها في الصحراء الغربية كانت الأردن، حسب ما أوضحه الديوان الملكي المغربي الخميس الماضي، حيث أوضح الديوان أن ملك الأردن عبر في اتصال هاتفي مع الملك محمد السادس عن رغبة المملكة في فتح قنصلية عامة لها بمدينة العيون.

    تأتي هذه الخطوات المتتالية لتفرض علي البوليساريو تحد شديد الصعوبة، في وقت تفتقد فيه الجبهة كثيرا من الدعم التي كانت تحصل عليه في السابق سواءا من الأطراف الدولية أوالإقليمية.

    هل سيصل الصراع لنقطة اللاعودة؟

    بكل تأكيد الوضع في الصحراء الغربية حاليا، يختلف كثيرا عن ما كان عليه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وذلك يعود لضعف جبهة البوليساريو لعدد من العوامل التي أفقدتها القدرة علي الصمود أمام المغرب التي أصبحت تسيطر بشكل كبير علي الموقف، بما يعني أن المواجهة وإن تجددت فهي لن تكون بنفس الحدة التي كانت عليها في السابق.

    فليبيا التي دعمت الجبهة وساهمت بتأسيسها من البداية، تخلت عن الجبهة مبكرا منذ العام 1984، وموريتانيا التي أعلنت في نهاية السبعينيات خروجها من الصراع مع البوليساريو والتزامها بالحياد، أصبحت مع الوقت أقرب إلي المغرب لما يربط نواكشوط من علاقات إقتصادية وتبادل تجاري ملحوظ مع الرباط في الآونة الأخيرة، وخصوصا من خلال معبر الكركرات الحدودي والذي ليس من صالح نواكشوط إغلاقه.

    الجزائر الداعم الأكبر للبوليساريو، لم تعد كما كانت في السابق، فالأزمات التي عصفت بالجزائر في الفترة الأخيرة أنهكتها كثيرا واثقلت كاهلها، كما أن الدعم العسكري الجزائري للبوليساريو تراجع كثيرا عن الماضي، وهي لن تكون قادرة في قادم الأيام علي أن تغامر بدعم عسكري للجبهة لما تواجهه الجزائر من أزمات داخلية ووضع إقتصادي صعب تعيشه البلاد.

    بالإضافة إلي ذلك، أصبح هناك فتور واضح في التعاطف مع قضية الشعب الصحراوي علي الجانبين الدولي والإفريقي، فالدعم الدولي الذي كانت تقدمه دول المعسكر الشرقي سابقا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي انتهي مع انهيار الكتلة الشرقية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، كما أن التعاطف الذي كان حاضرا في السابق من جانب الإتحاد الإفريقي مع القضية، تبدد تماما مع عودة المغرب مرة أخري للإتحاد الإفريقي.

    النقطة الأبرز بلا شك، إمتلاك المغرب حاليا لأسلحة حديثة ومتطورة عن ما كانت عليه سابقا، وهو ما جعلها قادرة حاليا علي التكيف والتصدي لحرب العصابات مع جبهة البوليساريو، وهو ما بدا أثره واضحا علي الأرض.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    مصدر الصورة: AFP PHOTO / RMA

    شاركها.