اسلام عبد المجيد عيد

    ينتظر الليبيون إنتخاباتهم الرئاسية المقبلة، فى ظل ترقب دولي وإقليمي كبير لما ستسفر عنه نتائج العملية الإنتخابية، فيما من المتوقع أن يحصل بعض المرشحين على دعم قوى خارجية مختلفة، فى الإنتخابات التى أعلن مجلس النواب الليبي عن إقامتها فى 24 كانون الأول/ ديسمبر القادم، لكن تظل هناك بعض الشكوك حول قدرة الأطراف الليبية على إقامة الإنتخابات فى موعدها المحدد، خاصة فى بلد مثل ليبيا الذى يعيش فى فوضى وصراعات بين الأطراف المتنازعة بشرق وغرب البلاد منذ سقوط نظام القذافى عام 2011.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    الرئاسة الليبية محط أنظار الجميع

    منذ فتح باب الترشح للإنتخابات الرئاسية الليبية، ظهرت الرغبة الواضحة من الليبيين للمشاركة فى هذا الإستحقاق التاريخي، وانعكس ذلك فى العدد الكبير من المرشحين الذى أعلنت عنه المفوضية العليا للإنتخابات فى ليبيا، والذى بلغ 98 مرشحا، حيث لم يتوقع الكثيرون هذا الإقبال الكثيف.

    لكن فى الرابع والعشرين من الشهر الجاري، أعلنت المفوضية استبعاد 25 مرشحا ليصل عدد المرشحين الحاليين إلى 73مرشحا،  ومن المنتظر أن تنشر المفوضية القائمة النهائية للمترشحين مطلع الشهر المقبل حسبما أعلنت فى وقت سابق.

    ويأتى على رأس قائمة المرشحين قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس الحكومة الليبية الحالية عبدالحميد الدبيبة، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، فى الوقت الذى أعلنت المفوضية فيه استبعاد نجل الرئيس السابق سيف الإسلام القذافي، الذى كان متوقعا أن يحظى بتأييد كبير من أنظار النظام السابق

    وأبناء الجنوب الليبي، وجاء إستبعاده بسبب مخالفته بندين من قانون انتخاب رئيس الدولة، وأشارت المفوضية إلى”عدم انطباق المادة 10 البند 7، والمادة 17 البند 5″.

    إلى أى جانب سيقف الليبيون؟

    من المتوقع أن تنحصر المنافسة على منصب الرئاسة حسب التطورات الأخيرة، بين الثلاثي الدبيبة وحفتر وعقيلة صالح، ثم يأتى بصورة أقل وزير داخلية حكومة الوفاق السابق “فتحي باشاغا”، الذى من المتوقع أن يحصد أصواتا كبيرة فى الغرب الليبي وبالتحديد فى مسقط رأسه مدينة مصراتة التى يسيطر فيها على بعض الميليشيات المسلحة، كما أنه ينظر إليه على أنه الشخصية القادرة على مواجهة مراكز القوى فى البلاد من جانب مناصريه لخبرته السابقة كوزير للداخلية، وهو ما قد يؤدى لتفتيت الأصوات بينه وبين الدبيبة فى الغرب خاصة أن الدبيبة هو الأخر من مدينة مصراتة.

     بينما الدبيبة يحظى فى الآونة الأخيرة بتأييد كبير خاصة فى الغرب الليبي وبالتحديد إقليم طرابلس، كما أنه يملك شعبية فى بعض مدن الجنوب ، وذلك أيضا يرجع لحالة الإستقرار النسبية وتوقف العمليات المسلحة التى تلت توليه رئاسة الحكومة، كما أنه استغل وجوده فى المنصب لحشد الجماهير من خلال مشاريع استفاد منها الليبيون، حيث ركز طوال فترته الأخيرة على تقديم منح وقروض للشباب وتخصيص شقق سكنية لهم بالإضافة لتوفير فرص عمل للعاطلين، إضافة إلى أن الدبيبة تجاوز العقبة التى كانت موجوة أمام ترشحه وهى المادة 12 من قانون الإنتخابات التى تنص على “ضرورة أن يكون المرشح للمنصب مستقيلا بتاريخ رجعي لا يقل عن ثلاثة أشهر، فى حال شغله لمنصب سيادي للدولة” وهو ما لم يكن منطبقا عليه، وعلى الأرجح سيشكل الدبيبة تحالفا مع بعض المرشحين فى الغرب وعلى رأسهم ابن مدينته “أحمد معيتيق” نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، حيث سيسعى الأخير للحصول على مكاسب سياسية تخدم مصلحته فى المستقبل بالتحالف مع الدبيبة، خاصة وأن فرص معيتيق ضئيلة قياسا بباقي المرشحين، خصوصا فى مسقط رأسه مصراتة والتى تعد ثالث أكبر قوة إنتخابية فى ليبيا بعد العاصمة طرابلس وبنغازي.

    فيما سيحظى المشير حفتر فى الغالب على تأييد المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب لدوافع سياسية، ولإعتقاد البعض أن حفتر هو السبيل الوحيد لوقف نفوذ الجماعات المسلحة فى الغرب، بالإضافة لسخط العديد من الليبيين على جماعة الإخوان وحليفتها تركيا، كما ينتظر أن يكون هناك تحالفا بين حفتر وعقيلة صالح على أقل تقدير لوصول أحدهما للمرحلة الثانية من الإنتخابات، وما قد يزيد من حظوظ حفتر ايضا هو أن تستطيع مصر إقناع فتحي باشاغا فى الغرب وحفتر فى الشرق لتشكيل تحالف بين الطرفين، خصوصا وأن باشاغا يعد مقربا فى الفترة الأخيرة من القاهرة وزارها مؤخرا فى مطلع الشهر الجاري، وذلك قد يزيد بشدة من حظوظ حفتر فى الإنتخابات المقبلة، لكن يبقى هذا الإحتمال بعيد بعض الشئ خصوصا أن ميلشيات باشاغا فى مصراتة تنتمي للتيار الإسلامي المناوئ لحفتر، ولكن حتى وإن خسر حفتر الإنتخابات فسيكون أكثر الخاسرين ربحا، حيث أنه سيعود لمنصبه كقائد للجيش حسبما ينص

    قانون الإنتخابات، وبالتالي فمن المحتمل أن لا يكون رد الفعل لدى حفتر عنيفا إذا ما خسر الإنتخابات وسيرضى بمنصبه السابق كقائد للجيش ويتجنب بذلك الضغوط الدولية المحتملة. 

    على الجانب الآخر، قدم مؤخرا رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح أوراق ترشحه، رغم التكهنات العديدة بضغوط مفروضة عليه لعدم الترشح، لذا فمن المتوقع أن تشهد أصوات المنطقة الشرقية حالة من التفتت بين حفتر وعقيلة صالح، لكن قد يكون عقيلة صالح مقبولا لدى الأوساط الشعبية فى الغرب وفى إقليم فزان الجنوبي، وهو ما قد يفتقده المشير حفتر.

     موقف القوى الدولية والإقليمية من المرشحين

    أولا: المحور المصري الإماراتي

    بكل تأكيد، تقف مصر والإمارات إلى جانب المشير حفتر فى الإنتخابات المقبلة لأسباب سياسية وأمنية بالتحديد لمصر، وذلك خوفا من زيادة نفوذ جماعة الإخوان والجماعات الأخرى المسلحة فى ليبيا والتى قد تشكل تهديدا على الأمن القومي المصري، حيث أن وجود المشير حفتر فى الشرق الليبي ساعد على عدم تمدد نفوذ الميليشيات المسلحة، كما أن حفتر كان على إتصال أمني دائم بالقيادة المصرية للتنسيق فى عملية الحرب على الإرهاب فى ليبيا، وتخشى القيادتين المصرية والإماراتية من أن تتبدل الأوضاع عقب الإنتخابات الرئاسية الليبية وبالأخص فى حالة خسارة المشير حفتر للإنتخابات، واذا ما فاز الدبيبة المحسوب على تركيا، كما قد تدعم مصر أيضا فتحي باشاغا الذى زار القاهرة مؤخرا، حيث أظهرت هذه الزيارة محاولة باشاغا كسب ثقة القاهرة فى الإنتخابات المقبلة، والحصول على مساعدة مصر فى إخراج المرتزقة من ليبيا، وهو ما عرض باشاغا أحد الأقطاب الكبرى فى حكومة الوفاق للهجوم الحاد من قبل قيادات عسكرية فى الغرب الليبي موالية لتركيا على رأسهم عماد الطرابلسي وأسامة الجويلي، وقد ترى مصر فى باشاغا رجل دولة ايضا قادر على مواجهة الميليشيات رغم الخلاف السابق معه لذا فتبقى إحتمالية دعمه فى الإنتخابات واردة.

    ثانيا: تركيا

    تعد تركيا من أبرز الداعمين لعبد الحميد الدبيبة، ولاشك أنها ستوفر كل سبل الدعم المتاحة له لضمان نجاحه فى الإنتخابات المقبلة، خاصة بعد ما أبدى الدبيبة مؤخرا أثناء زيارته لأنقرة مطلع الشهر الجاري رغبته فى زيادة عدد المستشارين العسكريين الأتراك فى ليبيا، كما أن هناك اتفاقا بين أردوغان والدبيبة ايضا على تفعيل إتفاقية التفاهم فى مجال تحديد مناطق الصلاحية البحرية الموقعة منذ عامين مع رئيس الحكومة السابق فايز السراج، وهو ما يعنى أن أنقرة ستسمر بدعم الدبيبة تحقيقا لمصالحها، خصوصا أن حكومة الوفاق قد حققت سابقا مكاسب ميدانية ضد حفتر ومنعته من دخول طرابلس بسبب الدعم العسكرى والمادي من الجانب التركي ، وتركيا لن تتخلى بسهولة عن تواجدها فى ليبيا، ولعل نجاح الدبيبة سابقا وانتخابه رئيسا للوزراء فى الخامس من فبراير/شباط الماضي خير دليل، فقد ساهمت أنقرة بإسقاط تحالف عقيلة صالح وباشاغا، فى المقابل نجح حليفها الدبيبة الذى لم يملك أى خبرة سياسية مسبقة قبل رئاسته للوزراء، وهناك بعض التقارير تشير بان تركيا قد استخدمت وسائل عديدة للتلاعب بالإنتخابات، وعلى الأرجح ستقدم تركيا دعما ماديا ولوجيستيا وإعلاميا للدبيبة ومن المتوقع أن تسخر تركيا ميليشياتها له فى المعترك الإنتخابي وهو ما قد يثير مخاوف من تلاعب محتمل بالعملية الإنتخابية أو تعطيلها، ومن المتوقع أن يحوذ الدبيبة على دعم خالد المشري  رئيس المجلس الأعلى للدولة وفصيله الإخواني الموالي لتركيا. 

    ثالثا: فرنسا وإيطاليا

    منذ بداية الأزمة فى ليبيا عام 2011، ظهر الخلاف الفرنسي الإيطالي حول مسار العملية السياسية فى ليبيا وأى الأوضاع التى ستخدم مصالحهما المتناقضة، فإيطاليا لها إرتباط تاريخي بليبيا كما أنها بوابتها لإفريقيا، وتستورد إيطاليا ما يقارب 48% من إحتياجاتها النفطية من ليبيا، كما تعتبر شركات البترول الإيطالية لاعبا اساسيا بها، ولهذا ساندت ايطاليا حكومة الوفاق لحماية مصالحها النفطية فى الغرب الليبي وبالتحديد فى مصراتة، بل وقامت بالتنسيق مع الميليشيات المسلحة لمنع عبور المهاجرين لأراضيها

    بينما فرنسا تخشى من تمدد نفوذ الجماعات المسلحة فى ليبيا لمناطق نفوذها فى إفريقيا وخصوصا منطقتي الساحل والصحراء، وترى أن السيطرة على الإرهاب فى إفريقيا يبدأ من ليبيا، لذا دائما ما كانت تقدم الدعم للجيش الوطني الليبي فى شرق البلاد.

    لكن يبدو أن مؤتمر باريس الأخير قد يخلق حالة من التوافق النسبي بين الطرفين، فقد اتفق الطرفان على ضرورة عقد الإنتخابات فى موعدها وخروج المرتزقة من البلاد، ويبدو أن إيطاليا ايضا بدأت تشعر بخطورة التوغل التركي فى ليبيا وضرورة توحيد الموقف الأوروبي.

    ومن المتوقع أن تؤيد فرنسا وجود عقيلة صالح كمرشح توافقي بدلا من حفتر الذى تتوقع أن يخلق فوزه بالإنتخابات حالة من الإنقسام فى البلاد، وفى الوقت نفسه لدى عقيلة صالح ارتباط وثيق بالجيش الوطني الذى ترى فرنسا بأنه سيضمن حماية البلاد من الجماعات الإرهابية.

    ختاما، تحظى الإنتخابات الرئاسية الليبية بإهتمام كبير، وذلك فى ظل الضغط الدولي من أجل التأكيد على إنعقادها فى الموعد المحدد، خصوصا من الجانب الأمريكي الذى شدد على ذلك على لسان وزير خارجيته “أنتوني بلينكن”، كما أن الإتحاد الأوروبي اعتمد إطارا قانونيا يسمح بفرض عقوبات على من يعرقل الإنتخابات فى ليبيا، وذلك وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2571، لكن تظل الشكوك واردة حول مصداقية الوعود الدولية، وذلك فى ظل الإنقسامات الداخلية والتهديدات من جانب الجماعات المسلحة بتقويض الإنتخابات، حيث أن القيادي الإخواني الليبي “خالد المشري” الذى يرأس ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة قد حرض مؤخرا على حصار مؤسسات الدولة ومنع مرشحين أبرزهم المشير حفتر من الترشح للإنتخابات المقبلة، وقد تزيد الأوضاع سوءا إذا ما فاز حفتر بالإنتخابات، حيث أن ذلك قد يؤدى لفوضى كبيرة ستقودها الميليشيات المسلحة فى الغرب والإخوان الموالون لتركيا

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    تعديل موعد الانتخابات في ليبيا: الرئاسية في كانون الأول/ديسمبر والتشريعية في كانون الثاني/يناير

    عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي يقدم أوراق ترشحه لانتخابات الرئاسة الليبية

     الدبيبة يبحث مع إردوغان زيادة العسكريين الأتراك في ليبيا

    ليبيا ضحية الصراع الإيطالي ـ الفرنسي

     الاتحاد الأوروبي يعتمد إطارا قانونيا يسمح بفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات في ليبيا

    شاركها.