نهر النيل هو أحد أهم المصادر المائية الموجودة في قارة أفريقيا والذي يرتبط بالعديد من الدول الأفريقية معاً والذين يُطلق عليهم بأسم دول حوض النيل، هذة الدول تشترك فيما بينها في الحفاظ على حقوق بعضهم البعض في مياة النيل. ويعتبر الحفاظ على مياة النيل بمثابة أمن قومي لجميع الدول التي تقع عليه. يجب أن نعرف بأن قضية نهر النييل والحفاظ على النصيب المائي لكل دولة لا تُعتبر قضية جديدة على الإطلاق ولكن قد تم إثارتها في تسعينيات القرن الماضي. وقد ظهرت الأزمة بين أثيوبيا ومصر والسودان منذ زمن بعيد وها هي الآن تعود المُشكلة بصورة اكبر.
فكرة إنشاء سد النهضة من الجانب الأثيوبي لم تكن جديدة على الإطلاق، ولكن الدولة الأفريقية قد حاولت من قبل عدة مرات ولكن قد لاقت تلك الفكرة رفض تام وقاطع من الجانب المصري والذي هدد بالتدخل العسكري لهدم السد حال البدأ في تنفيذة. على مدار الزمن كانت هناك صراعات بين الجانب الأثيوبي والمصري وذلك خلال حكم رؤساء مصر جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات وقد وصل الأمر إلى حد تهديد اختيار الحل العسكري تجاة الجانب الآخر.
لقد هدد الرئيس محمد أنور السادات بهدم السد في حالة البدأ في تنفيذه عام 1979 وذلك لأن هذا السد قد يؤدي إلى الإضرار بمصالح مصر المائية، ومنذ عدة سنوات فإن الجانب الأثيوبي قد بدأ بالفعل في إجراءات بناء سد النهضة على نهر النيل وذلك في ظل إنشغال الجانب المصري بالأحداث والتقلبات السياسية بداخلها مع إهمال جميع الملفات الخارجية والتي من ضمنها نهر النيل ودول المصب.
ومنذ إندلاع الثورة المصرية في عام 2011 ومع إنشغال الدولة المصرية في الأحداث الداخلية وهناك خطوات جادة في البدأ بسد النهضة من الجانب الأثيوبي، وقد ظهر ذلك الأمر بشكل جاد مع عام 2015 وفي هذا الوقت قد فات الآوان بالنسبة للجانب المصري للتدخل ومنع السد من الاستكمال، لم يتبقى أمام الجانب المصري حلول سوى المفاوضات مع الجانب الأثيوبي والبحث عن حلول لا تضر بحصة مصر من المياة.
المفاوضات بين الجانب المصري والسوداني والمصري قد شملت الكثير من الإجتماعات والمفاوضات خلال الأعوام الماضية، وكان الهدف من تلك المفاوضات هو وضع حلول لا تضر بجميع الأطراف بعد الإنتهاء من بناء السد والبدأ في تخزين المياة خلفه، وبالفعل إتفق الأطراف الثلاثة على الخطوط العريضة التي تحمي حقوقهم جميعاً بعد الإنتهاء من بناء السد، وقد خرج إلينا رؤساء هذة الدول يؤكدون لشعوبهم بإنتهاء الأزمة وحماية حقوق جميع الأطراف بالرغم من تحذير العلماء والمتخصصين بخطورة هذا السد وإمكانية حدوث نقص حاد في حصة مصر والسودان .
وها هي الأمور تعود إلينا مرة آخرى في عام 2019 للحديث عن توابع بناء سد النهضة حيث اعلن الجانب الأثيوبي بأنه قد تم الغنتهاء من سد النهضة وهو جاري الآن في تخزين المياة، هذة العملية سوف تمتد حتى نهاية عام 2020 ومن المتوقع بعد ذلك أن يبدأ العمل في إنتاج الطاقة الكهربائية بعد تشغيل السد بشكل كامل. ومع إنتشاؤ هذة الأحاديث بدأت الحقيقة تخرج لشعوب حوض النيل ومنهم مصر والسودان بعد أن أعلنت مصر بأن أثيوبيا لم تلتزم بالإتفاقيات التي قد تم إبرامها وأنها تطلب التدخل الدولي من أجل السعي لحل هذة الأزمة التي تهدد نهر النيل.
كيف وصلت الأزمة بين مصر وأثيوبيا في سد النهضة الآن؟
أزمة سد النهضة قد تفاقمت في الوقت الحالي بعد أن أعلن الجانب المصري بفشل المفاوضات وعدم إلتزام أثيوبيا بمباديء سد النهضة، كما أشار بعض التقارير الإعلامية المصرية أن الحل العسكري قد يكون أحد الحلول المطروحة أمام الدولة المصرية للتخلص من سد النهضة. وفي نفس السياق فإن أثيوبيا كان لها رد قوي على تلك التقارير عن طريق رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد والذي أكد على أن دولته جاهزة تماماً للحل العسكري وأن باستطاعتها حشد ملايين الجنود من أجل حماية مصالحها الإقتصادية وعلى رأسها سد النهضة.
تصريحات رئيس وزراء أثيوبيا الأخيرة قد أثارت مزيد من الجدل في مصر وأعتبرها البعض تصريح قوي وغير لأئق تجاة الدولة المصرية وقد وجدوا بضرورة إتخاذ إجراءات حاسمة تجاة تلك التصريحات المستفزة والتي تمس بكرامة الدولة المصرية وجيشها وأمنها. لذلك فإن وزير الخارجية المصري سامح شكري قد أعرب حزنه لسماع تلك التصريحات الغير لائقه وأن الدولة المصرية تُتابع عن قرب كل ما يخص قضية سد النهضة وتسعى للوصول إلى حلول تُرضي جميع الأطراف.
وفي ظل تلك الأزمة الراهنة بين جميع الأطراف الثلاثة حول سد النهضة وبعد أن عبر بعض الأطراف عن استخدام الحل العسكري لحماية مصالحة، فقد خرجت إلينا تقارير تُشير إلى وجود أنظمة دفاع صاروخية في سد النهضة حصلت عليها أثيوبيا من دولة اسرائيل ولكن في نفس الوقت فإن دولة اسرائيل قد نفت تماماً بأنها قد باعت أنظمة دفاع إلى أثيوبيا مُشيرة إلى أن هناك دولة آخرى هي من قامت ببيع أنظمة دفاع إلى الجانب الأثيوبي.
وقد إضطر هذا الأمر إلى وجود تدخل خارجي من الجانب الأمريكي نتيجة دعوات من أحد الأطراف المُتضررة من هذا السد ، وقد دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى جلسات تفاوض فيي البيت الأبيض من أجل دراسة الموضوع ووضع حلول تُرضي جميع الأطراف. لقد رحب الجانب المصري بهذة الدعوة فيما لم يرد كلاً من الجانب السوداني والأثيوبي على تلك الدعوة إلى الآن. ويسعى الجانب الأمريكي إلى وضع حلول لهذة الأزمة الطويلة والإبتعاد عن أي حروب قد تنشأ بسبب المياة.
الأمور غير واضحة في الوقت الحالي وذلك بعد أن أعلن جميع الأطراف عدم التوصل لأي حلول بالإضافة إلى أن المفاوضات والإتفاقات الماضية لم تُنتج ثماراً. ومع الضغط الشعبي في الدول المُتضررة من مصر والسودان فإن حكام هذة الدول في وضع صعب الآن أمام شعوبهم ويجب عليهم أن يتخذوا خطوات وإجراءات سريعة من أجل طمأنة الشعب على حقوق بلده المائية وأنهم لن يلحق بهم أي ضرر.
سد النهضة قد يؤدي إلى تلف الكثير من الأراضي الزراعية في مصر بالإضافة إلى تهجير جزء كبير من سكان الوادي والدلتا، ومن الواضح بأن الدولة المصرية قد بدأت من الآن في البحث عن حلول بديلة في الحصول على الماء مثل تحليه مياة البحر وإعادة استخدام مياة الصرف الصحي في الزراعة أو غير ذلك. ولا أحد يعلم حتى الآن إلى متى سوف تستمر تلك الأزمة ومتى سوف يتم حلها خصوصاً بعد الإقتراب من تشغيل السد بشكل كامل.
الجميع في مصر والسودان وأثيوبيا يراقبون الوضع عن قرب، بل أن الموضوع قد حصل على إهتمام عالمي أيضاً وذلك من أجل إيجاد حلول حتى يتم تجنب حروب كبرى قد تنشأ في المستقبل بين تلك الدول على الماء أو قبل حدوث كارثة يذهب بناء عليها الكثير من الضحايا والأرواح بدون وجة حق.