اسلام عبد المجيد عيد
المقدمة :
تشهد الساحة السورية تطورات متلاحقة تتعدد خلالها الأساليب القتالية / العسكرية المستخدمة بمعرفة كافة
الأطراف المتنازعة داخل سوريا بالإضافة إلى الفاعلين الدوليين والإقليميين ولا شك أن حادث الهجوم بإستخدام
الطائرات المسيرة على الكلية العسكرية بمدينة حمص هو أبرز هذه التطورات وذلك بسبب حساسية المكان
المستهدف وقيمته العسكرية كذا الدلالات الخطرة المصاحبة للعملية وإحتمالية إمتلاك التنظيمات الإرهابية
داخل سوريا لأنظمة إلكترونية متطورة قادرة على تنفيذ ضربات مماثلة فى مناطق / توقيتات أخرى مستقبلاً
على الرغم من عدم إعلان أى طرف داخل سوريا أو خارجها عن تبنى العملية حتى الآن وهو ما يثير عدة تساؤلات
جاءت على النحو التالى :
1- تفصيلات العملية والتداعيات الناتجة عنها .
2- الأطراف الدولية / الإقليمية المحتمل ضلوعها فى إرتكاب العملية .
3- الفرضيات المحتملة لكيفية تنفيذ العملية .
4- إمكانية / كيفية التعامل مع ذلك النمط من الحروب .
طبيعة الحادث والتبعات الناجمة عنه:
– بتاريخ 5/10/2023 تم تنفيذ هجوم إرهابى داخل ساحة الكلية العسكرية بمدينة حمص بمعرفة طائرات مسيرة
محملة بالذخائر عقب إنتهاء حفل الضباط الخريجين بالكلية بحضور عدد من القادة العسكريين بالجيش السورى
وعلى رأسهم وزير الدفاع / على محمود عباس الذى غادر الكلية قبل وقوع الحادث بعدة دقائق .
– تجدر الإشارة إلى إحتمالية تأخر موعد تنفيذ العملية وكون الهدف الرئيسى منها هو إغتيال القيادات العسكرية
حيث تم إستهداف منطقة كبار الزوار بشكل رئيسى .. مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من الضباط / المدنيين
[ ذوى الضباط الخريجيين ] .. وتضم الكلية عدد (7) أقسام [ المشاة – المدرعات – الإشارة – مضادات الدروع –
الشؤون الإدارية – الشؤون الفنية – التسليح ] فضلاً عن تواجد ساحتين رئيسيتين بها أبرزهم " ساحة القادسية "
التى تبلغ مساحتها حوالى (1,5) كيلومتر مربع والتى تم تنفيذ الهجوم الإرهابى عليها .
– تحد الكلية العسكرية من الناحية الغربية كلية المدرعات ومن الناحية الشمالية فنادق التدريس بينما تقع
[ كلية الشؤون الفنية – كلية الإشارة ] بالناحية الشمالية الغربية وكلاً من [ مساكن الضباط – المستشفى العسكرى ] من الناحية الجنوبية.
فرضيات عملية التنفيذ :
– إستناداً إلى الواقع العسكرى الحالى داخل سوريا يمكن إستنتاج ثلاث فرضيات رئيسية بشأن الجهات المنفذة
لتلك العملية .. وهم على النحو الآتى:
1- التنظيمات الإرهابية داخل سوريا :
– تم توجيه أصابع الإتهام بشكل كبير نحو عدد من التنظيمات الإرهابية داخل سوريا بشأن تنفيذ تلك العملية
لاسيما التنظيمات الموالية لهيئة تحرير الشام [ جبهة النصرة سابقاً ] ومن بينهم [ الحزب الإسلامى
التركستانى – كتيبة المهاجرين ] حيث أفادت وسائل إعلام موالية للدولة السورية [ قناة الميادين ] بقيام
عناصر فرنسية منتمية لكتيبة المهاجرين بنقل قطع طائرات مسيرة مسبقاً منذ حوالى (3) أشهر
إلى التنظيمين المشار إليهما كما تم رصد إطلاق طائرة مسيرة من مناطق سيطرة الحزب الإسلامى
التركستانى قبيل عملية إستهداف الكلية الحربية بمدينة حمص .
– تضع هذه الفرضية الجانب التركى تحت طائلة الإتهام حيث أشارت المعلومات الأولية إلى تشابه تصميم
الحجم الطائرتين المسيرتين كذا الإمكانيات التكنولوجية مع طائرة البيرقدار التركية فضلاً عن وجود دعم
تركى ملحوظ لعدد من التنظيمات الإرهابية تحديداً داخل محافظة إدلب كما أن عناصر الحزب الإسلامى
التركستانى فى البداية قاموا بالدخول لسوريا عبر الأراضى السورية فيما تشير التقديرات إلى وجود حوالى
عدد (20) ألف شخص إيغورى لاجئ فى تركيا والجدير بالذكر أن عناصر الحزب ينتمى معظمها لعرقية
الإيغور التى هاجر عدد كبير من أفرادها من دولة الصين .
– خلال عام 2019 تم إسقاط طائرة مسيرة قرب مطار حماة العسكرى وأشار الخبراء حينها أنها قادرة
على الوصول لمسافة 100 كيلو متر مربع بناءاً على قدرة المحرك الخاص بها وكمية البنزين المتواجدة
داخلها كما كانت الطائرة مصنعة من ألياف [ الكربون – الخشب ] مما يجعل عملية كشفها بإستخدام الرادار
صعبة للغاية وتم الإشارة حينها لقيام الحزب الإسلامى التركستانى بالإشتراك مع كتيبة المهاجرين
فى تطوير تلك الطائرة بمساعدة من خبراء فرنسيين وهو ما يتوافق بشكل كبير مع الفرضية الحالية .
2- إسرائيل :
نظراً لبعد الكلية العسكرية بمدينة حمص عن أقرب منطقة تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية داخل سوريا
بمسافة تبلغ حوالى (120) كيلو متر مربع وتحديداً بمحاذاة منطقة معرة النعمان فإن هناك إحتمالات بقيام
المستشفى العسكرى
مساكن الضباط
كلية الإشارة
حدود الكلية العسكرية
جهات خارجية بتنفيذ تلك العملية وخاصة دولة إسرائيل التى تقوم بتنفيذ ضربات جوية بين الحين والآخر
على منشآت عسكرية سورية ومنشآت عسكرية أخرى تابعة للقوات الإيرانية والميلشيات الحليفة لها داخل
سوريا فضلاً عن إمكانية تنفيذ الجانب الإسرائيلى للعملية عن طريق الأراضى الواقعة بشمال دولة لبنان
وهى أقرب المواقع المحتملة لتنفيذ العملية كما أن الجانب الإسرائيلى قد يكون إستخدم خلايا تابعة له بالقرب
من مدينة حمص لتنفيذ العملية .
3- الولايات المتحدة الأمريكية :
تجدر الإشارة إلى قيام الجانب الأمريكى وبالتحديد خلال عام 2012 بالتهديد بقصف الكلية العسكرية بمدينة
حمص رداً على إستخدام الجيش السورى لقنابل كيماوية ضد المعارضة السورية كما أن الجانب الأمريكى
يعمل حالياً على إضعاف النفوذ الإيرانى بالمنطقة وتحديداً داخل سوريا وهو ما قد يفسر إستهدافه لمنشأة
عسكرية سورية بهذا القدر من الأهمية وربما كان ذلك الإستهداف من خلال إستخدام الجانب الأمريكى لقاعدة
حامات الجوية بدولة لبنان التى تتواجد بها عناصر / طائرات أمريكية أو قاعدة التنف العسكرية التى تسيطر
عليها القوات الأمريكية داخل سوريا ويدعم تلك الفرضية أيضاً كبر حجم الطائرات المسيرة التى نفذت العملية
وهو ما يجعلها بحاجة إلى مدرج للطائرات لكى تتمكن من الإقلاع الجوى .
إلى جانب ذلك فقد تم رصد طائرة إستطلاع / حرب إلكترونية أمريكية من طراز [ Boeing RC-135U ]
خلال شهر سبتمبر الماضى وهى تقوم بطلعات جوية فى مناطق غرب سوريا بهدف جمع معلومات تقنية
حول أنظمة الرادارات داخل الأراضى السورية .
خاتمة :
– لا شك أن تلك العملية تمثل حالة تغير فى أنماط الحرب / العمليات العسكرية بمنطقة الشرق الأوسط
فلم تشهد المنطقة ولا حتى دولة سوريا التى تعيش حالة حرب منذ عام 2011 مثل ذلك الإستهداف لمنطقة
عسكرية رئيسية بهذا الحجم من قبل كما أن العملية توضح تحولاً كبيراً فى عمليات الدفاع الجوى / الصاروخى
حيث لم تعد أنظمة الدفاع الجوى التقليدية ذات كفاءة فى التعامل مع النوعيات المتطورة من الطائرات المسيرة
والدليل على ذلك تواجد صواريخ الدفاع الجوى الروسية من طراز (S300) فى عدد من المناطق السورية
وبالأخص منطقة الساحل السورى التى تتواجد بها القوات الروسية كما أن المنطقة التى وقعت بها العملية تتواجد
بها أنظمة الدفاع السوفيتية من طراز [ ZSU-23-4 Shilka ] ورغم ذلك لم تتمكن أى من تلك المنظومات
من رصد / إعتراض الطائرات المسيرة المنفذة للعملية ما ينذر بوجود تهديدات مستقبلية على الأمن القومى
الخاص بدول المنطقة لاسيما فى حال تمكن التنظيمات الإرهابية المسلحة داخل سوريا تحديداً من إمتلاك /
إستخدام مثل تلك التقنيات خلال السنوات المقبلة.
إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط