بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    Andrew-K.P.Leung_اد الرئيس التنفيذي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، جون لي كا تشيو، وفداً من كبار مسؤولي الحكومة و ثلاثون ممثلاً رفيعي المستوى عن مختلف القطاعات في أول رحلة خارجية له هذا العام إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع إعادة انفتاح مدينة هونغ كونغ على العالم بعد فترة تفشي الوباء فستعزز هذه الزيارة الروابط بين هونغ كونغ والبلدين العربيين ويُتوقع توفر فرص تجارية واسعة للمدينة.

    وبعيداً عن العمل، فإن الزيارة تحمل فرص واسعة، ليس فقط لهونغ كونغ ولكن أيضًا للصين بأكملها.

    أولاً، توضح الزيارة سعي المدينة للتنويع والتوسع في اقتصادياتها من خلال تبني الصناعات الجديدة والثورة الصناعية الرابعة التي تتميز بالأعمال القائمة على معرفة القرن الحادي والعشرين وإنترنت الأشياء لجعل هونغ كونغ مكانًا أكثر ملاءمة للعيش.

    وأوضح السيد لي أن سبب اختيار هذه الدول هو رؤيتها ومخططاتها في التمويل والابتكار والتكنولوجيا فضلاً عن بنيتها التحتية وخدماتها اللوجستية.

    وبالحديث عن ذلك فإن رؤية المملكة العربية السعودية ل 2030 واستراتيجية دبي الصناعية لعام 2030 كلاهما غني بخطط التطير التي ستبب تغييرات شاملة بما في ذلك أشكال المدن والصناعات عالية القيمة مثل الطيران والأدوية والمعدات الطبية.

    من المحتمل أن تكون الرؤى العربية التي تهدف لتنويع مصادر الدخل مستوحاة من وزير الطاقة السعودي الراحل الشيخ يماني الذي قال في عام 2000: “لم ينته العصر الحجري بسبب نقص الأحجار، وسوف ينتهي عصر النفط قبل وقت طويل من نفاذ النفط في العالم.”

    لقد تبين أن هذا أمر نبوي. حيث شرعت كلتا الدولتين العربيتين الغنيتين بالنفط منذ فترة طويلة في التنويع والتنمية المستدامة.

    تتجه خطة المملكة العربية السعودية لعام 2030 نحو الوصول لصفر انبعاثات بحلول عام 2060 كما تشمل أيضاً أهداف مثل الزراعة المستدامة، الأغذية المحلية الآمنة العالية الجودة، التوازن المائي، التنوع البيولوجي والمدن الخضراء الصالحة للعيش مثل مدين ذا لاين في نيوم.

    بينما تتمثل أولويات الرؤية البيئية 2030 لإمارة أبوظبي في خمسة مجالات: تغير المناخ؛ الهواء النظيف التلوث الضوضائي، موارد المياه، التنوع البيولوجي، الموطن والتراث الثقافي، وإدارة النفايات.

    وتماشياً مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة يحتضن حلم الصين رؤية الصين الجميلة وبناء مجتمع عالمي ذو مصير مشترك. ووضعت هونغ كونغ التنمية المستدامة والبيئة على قائمة أولوياتها لتحول هونغ كونغ لمدينة أكثر ملاءمة للعيش.

    من الواضح أن هناك الكثير من الأرضيات المشتركة، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فرص العمل والاستثمارات التي ستقوم كل من الصين وهونغ كونغ والدولتين العربيتين باستكشافها وتطويرها في السنوات القادمة وليس فقط قوائم الأسهم، الألواح الشمسية، المركبات الكهربائية والمدن الذكية.

    ثانيًا، سار السيد لي على خطى زيارة الرئيس شي جين بينغ الرائدة للسعودية في ديسمبر من العام الماضي كجزء لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق العالمية للصين. ويعود ذلك إلى طريق الحرير القديم في الصين والذي يمتد إلى شبه الجزيرة العربية قبل 3000 عام. كما أنه يذكرنا بحج سليل عائلة مينغ (1368-1644) الأميرال المسلم تشنغ خه إلى مكة خلال رحلته الرابعة بين 1413-1415.

    وكما أشرت في مقالتي الافتتاحية “نحو نظام عالمي أفضل” بصحيفة تشاينا ديلي “China Daily” في 23 ديسمبر من العام الماضي  فإن إعادة اتصال الصين بالعالم النامي تعني “العودة إلى المستقبل” لنظام عالمي أكثر شمولاً لا تحكمه القوى الغربية التي هيمنت على أواخر الألفية الماضية.

    وفقًا لأبحاث جولدمان ساكس فبحلول عام 2075 ستكون سبعة من أكبر ثمانية اقتصادات من الدول النامية اليوم مع الولايات المتحدة في المركز الثالث. ومن المرجح أن يكون هذا العالم أكثر تركيزًا على السلام والتنمية وأقل تأثراً بالاستثناء الأيديولوجي.

    ثالثًا، تُظهر محاولة تقوية العلاقات مع العالم النامي الفلسفة الصينية القديمة المتمثلة في “الانسجام على الرغم من الاختلافات.” وبالكاد يتم تقدير هذا المفهوم من قبل القوى الغربية التي تركز على تشويه وخنق الصين والتي تدعمها المواجهة الجيوسياسية والأيديولوجية الثنائية التي تذكرنا بالحروب الصليبية في العصور الوسطى. تشمل الأمثلة الروايات الغربية الملتوية التي تظهر محاولة الصين في بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية على أنها مجرد تمويه للسعي إلى الهيمنة على العالم كما ورد في أعمال مثل “النضال الأخير: داخل استراتيجية الصين العالمية” بقلم إيان إيستون المدير الأول بمعهد بروجيكت 2049 بأرلينغتون، فيرجينيا، الولايات المتحدة.

    إن إعادة توثيق العلاقات مع البلدان العربية والدول النامية الأخرى هو إحياء للفلسفات الشرقية القديمة التي تخبرنا أن على الدول التي تختلف في الثقافة والتأثير أن تعمل معًا، بل وتتنافس أيضاً لكن في وئام يجعلها تتقدم بسرعة كما يتضح من العلاقات الوثيقة مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) والتي تُعد أكبر كتلة تجارية في العالم تتمثل في رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) وشركائها التجاريين الرئيسيين؛ جامعة الدول العربية، الاتحاد الأفريقي، منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) و(BRICS)؛ البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا).

    في الواقع، تتدافع البلدان النامية في جميع أنحاء العالم للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بشكل أو بآخر. وقد انضمت بالفعل تسع دول إلى المجموعة حتي الآن لتشمل الصين، الهند، كازاخستان، قرغيزستان، باكستان، روسيا، طاجيكستان، أوزبكستان وإيران. وتمتلك المجموعة ثلاثة مراقبين: أفغانستان وبيلاروسيا (المتوقع أن تكون عضواً هذا العام) ومنغوليا. وتسعة شركاء في الحوار: أرمينيا، أذربيجان، كمبوديا، نيبال، سريلانكا، تركيا، قطر، مصر والمملكة العربية السعودية. وبحسب ما ورد تريد الإمارات الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو متجاوزة شروط الانضمام الأخرى. كما تأمل سوريا، العراق، إسرائيل، بنغلاديش وفيتنام في الانضمام كشركاء في الحوار أو مراقبين وفقًا لعرب نيوز (Arab news).

    وتحاط (BRICS) هي الأخري بحماس ليس بأقل من ذبك فقد تم استلام الطلبات من الجزائر، الأرجنتين وإيران كما أبدت المملكة العربية السعودية، تركيا، مصر، أفغانستان وإندونيسيا اهتمامًا كبيرًا. ومن بين المتنافسين المحتملين الآخرين كازاخستان، نيكاراغوا، نيجيريا، السنغال، تايلاند والإمارات.

    رابعًا، تعتبر سياسة “الدولة الواحدة والنظامان” في هونج كونج مثالًا على الانسجام مع الوطن الأم على الرغم من اختلافات الأنظمة. فكجزء من الصين تتمتع هونغ كونغ بمنزلة جيدة بين العالم النامي حيث تكتسب تضامنًا متزايدًا وثقلًا عالميًا. فهي مركز دولي للسفر والنقل والخدمات اللوجستية وسلسلة أعمال تربط بسلاسة ما بين الشرق والغرب. كما يدعم نظامها القانوني الفريد مكانتها كمركز مالي وحكم دولي متطور يدعم مبادرة الحزام والطريق العالمية للصين. وتمتلك المدينة تنوعاً طبوغرافياً مع مناظر طبيعية خلابة وثقافات متعددة الأوجه لا تتوقف أبدًا عن البهجة والإبهار. تزدهر البنية التحتية التجارية الممتازة وأيضاً البورصة الدولية النابضة بالحياة كملاذ للشركات العالمية والأفراد المغامرين الراغبين في الاستفادة من الاقتصاد الصيني سريع التوسع والمتصل عالميًا.

    أخيرًا، فإن زيارة جون لي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تأتي في الوقت المناسب بقدر ما هي ذات مغزى استراتيجي ليس فقط لهونج كونج والصين بل وللعالم أجمع.

    الكاتب خبير استراتيجي دولي ومستقل في الصين. شغل سابقًا منصب المدير العام للرعاية الاجتماعية والممثل الرئيسي الرسمي لهونج كونج للمملكة المتحدة وأوروبا الشرقية وروسيا والنرويج وسويسرا.

    (الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر World Geostrategic Insights).

    شاركها.