اسلام عبد المجيد عيد

    يعيش الشرق الأوسط منذ عام 2011 وبالتحديد بعد ما يعرف “بثورات الربيع العربي” فى حالة من الإضطراب وعدم الإستقرار على كافة الأصعدة السياسية والإجتماعية والإقتصادية، كما أن المنطقة تدخلا ملحوظا لأطراف خارجية دولية كانت أو إقليمية فى شئون العديد من  الدول، حيث أنه فى هذه الفترة حدث تحول كبير فى موازين القوى الإقليمية، وتحولت بعض الدول العربية كسوريا وليبيا والعراق واليمن لدول هشة بل وفاشلة.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    مما سهل ذلك من عملية التدخل فى الشئون الداخلية لبعض دولها، من أطراف دولية كالولايات المتحدة وروسيا، إضافة لأطراف إقليمية كتركيا وإيران، حيث تلجأ هذه الدول لأحد أساليب الحروب الحديثة والتى تعرف بما يسمى “الحرب الهجينة”، من خلال إعتماد هذه الدول على عدد من الوكلاء داخل دول المنطقة، حيث تلعب بعض الدول الراعية على الجانب الطائفي والإيديولوجي لوكلائها، وتقوم فى المقابل بتمويلها ماديا وعسكريا من أجل ان تضمن تلك الدول الراعية مناطق نفوذ لها على الأرض، دون أن يؤدى ذلك لخسائر مادية وعسكرية لها كما يحدث فى الحروب التقليدية، حيث تقوم الدول الراعية فى استراتيجيتها لشن حربها الهجينة فى الشرق الأوسط بالإعتماد الأكبر على الميليشات المسلحة كأداة رئيسية لتنفيذ مخططاتها فهناك مثلا وكلاء أيديولوجيين دعمتهم تركيا فى سوريا كعناصر ما يطلق عليه “الجيش السوري الحر”، إضافة لبعض الجماعات المتشددة كأحرار الشام وجيش الإسلام بالإضافة لهيئة تحرير الشام والتى تضم عناصر جبهة النصرة السابقين بالإضافة لجماعة حراس الدين، كما تستخدم إيران وكلاء أيدولوجيين يربطهم بها ولاية الفقيه كحزب الله فى لبنان وجماعة الحوثي فى اليمن بالإضافة للحشد الشعبي فى العراق، وهناك قسم ثاني يطلق عليهم الوكلاء النفعيين متمثل فى القوات الكردية التى تدعمهم الولايات المتحدة فى سوريا، ونجد ايضا قسم ثالث من الوكلاء ويتمثل فى الوكلاء البراجماتيين فى ليبيا ويتمثلون فى المرتزقة السوريين بالإضافة للسودانيين والتشاديين والتى نقلتهم تركيا إلى ليبيا.

    وبشكل عام فلقد تنوعت اجيال الحروب انطلاقا من تنوع اساليبها ووسائلها فبداية من  “الجيل الاول ” وهو عبارة عن حروب تقليدية بين جيشين نظاميين وبشكل صدام مباشر، في حين تمثل “الجيل الثاني” بحروب العصابات او الحروب الثورية والتي عادت ما تكون بين جيش نظامي تقليدي وبين مجموعات مقاتلة ذات اهداف محددة ولعل ذروة إنتشارها كانت فى فترة الحرب الباردة فى القرن الماضي وبالتحديد فى عدد من الدول النامية لعل أبرزها كانت الثورة الكوبية، اما “الجيل الثالث” من الحروب تعني عمليا الضربة الاستباقية ويطلق عليها كذلك بحرب المناورات وهى امتداد للحرب الخاطفة التى ذكرها الفيرماخت الألماني فى أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن نشأة المصطلح كان على يد الجيش الأمريكي عام 1989 ولعل أبرز أمثلته كانت عمليات المناورة السريعة لسلاح الفرسان لقوات التحالف فى عمق الأراضي العراقية فى حرب الخليج الثانية، في حين تمثلت حروب “الجيل الرابع “بالمواجهة بين جيش نظامي لدولة ما مقابل لا دولة أو خصم على صورة خلايا خفية منتشرة في مختلف بقاع العالم وسميت ايضا بالحروب اللامتماثلة ومثالها الأبرز هى ما أعلنت عنه الولايات المتحدة ببداية مرحلة جديدة أطلقت عليها الحرب على الإرهاب بعد عملية إستهداف برجي التجارة العالميين فى 11 سبتمبر 2001.

    وصولا إلى ما يعرف بحروب الجيل الخامس، والتى يطلق عليها اسم “الحروب الهجينة”، وهى استراتيجية عسكرية حديثة تمزج ما بين: مفاهيم الحرب التقليدية ومفاهيم الحرب غير النظامية، والحرب الإلكترونية والحرب الهجينة آيضا يمكن أن تتضمن الهجوم بالأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والإشعاعية.

    أولا: ما المقصود بالحرب الهجينة

    هى الحروب القائمة على المساحة التي تلتقي فيها حروب الفضاء الكوني مع حروب الفضاء الرقمي، وتكون نتيجتها خسائر مضاعفة بمئات المرات، مقارنة بالحروب التي تقتصر على إحدى الساحتين بشكلٍ منفصل. والسبب الرئيس وراء ذلك هو اعتماد الحروب “الهجينة” على أسلحة ووسائل وأدوات تقليدية وغير تقليدية، منتظمة وغير منتظمة، علنية وخفية، ويتم فيها استغلال كل الأبعاد الجديدة في هذه الحروب، للتغلب على التفوق الذي تمتلكه الدول في الحروب التقليدية، وأهمها على الإطلاق البعد الذي أضافه الفضاء الرقمي إلى المنظومة البشرية التقليدية.

    كان ﺍﻟﻤﻘدﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﺑﻴﻞ ﻧﻴﻤيث، أول من ﻭﺻف هذه الحرب بأنها “نموذج ﻋﺼﺮﻱ ﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺤدﻳﺜﺔ ووسائل متطورة ﻟﺤﺸﺪ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨوﻱ ﻭﺍﻟﺸﻌﺒﻲ”.

    أما الباﺣﺚ الأﻣﻴﺮﻛﻲ ﻧﺎﻳﺜﺎﻥ ﻓﺮﺍﻳﺮ من “مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية” فقد ﻭﺿﻊ ﺗﻌﺮﻳﻔًﺎ ﺁﺧﺮ اعتبر فيه أننا نكون أمام ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻬﺠﻴﻨﺔ “ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺴﻠّﺤﺔ اﺛﻨﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻬﺠﻮﻣﻴﺔ ﺍﻷﺭﺑﻊ الآتي ذكرها: ﺣﺮﺏ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﺣﺮﺏ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ، إﺭﻫﺎﺏ كوارثي، وﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، وذلك لمواجهة التفوق العسكري المعادي”.

    في كتاب “فرانك هوفمان” الصادر في العام 2005 بعنوان “النزاعات في القرن الواحد والعشرين: صعود الحروب الهجينة”، يرد تعريف الحرب الهجينة على أنها “المزج ما بين تكتيك حرب العصابات والجماعات الإرهابية وامتلاك قدرات تقليدية وأسلحة تشبه تلك التي كانت حصرًا للجيوش النظامية”.                 وفي هذا السياق يتمّ “استخدام الأنماط المختلفة من الحرب، بما في ذلك القدرات التقليدية، والتكتيكات غير التقليدية، والأفعال الإرهابية، بالإضافة إلى نشر الفوضى التي تساعد على تفشي الجريمة”.

    ووفق رأيه فإن الدول والجماعات من غير الدول، تسعى لتطوير قدرات جديدة (تكنولوجية وتكتيكات غير متوقعة) من أجل تحقيق ميزة استراتيجية وتجنّب المواجهة المباشرة مع الخصم المتفوق عسكريًا.

    ثانيا: الحرب بالوكالة

    شهد العالم خاصة فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ما يعرف بحرب الوكالة ومعناه يشير الى وجود قوى كبيرة او قوى دولية او قوى اقليمية تتنافس في منطقة ما تسمى منطقة الصراع، وهذه القوى الكبيرة تتجنب او لاتريد الدخول الى حرب مباشرة كى لا يسبب لها ذلك أضرارا مادية وبشرية، وبالتالي تقوم بالإعتماد على دول صغيرة لها قيمة اقتصادية وجغرافية واستراتيجية،حيث يكون للدول الكبيرة لها فيها نفوذ ومصالح سياسية أو إقتصادية فتقوم هذه الدول بدعم القوى العسكرية في الدول الصغيرة من أجل تحقيق مصالحها.

    ويمكن القول بأن امتناع اللاعبين الاصليين (القوى الكبرى) من النزول الى ميدان الصراع وتسليح اللاعبين المحليين للاقتتال بدلآ عنهم يرجع إلى أن السلوك المباشر للراعي سيكون غير مقبول مجتمعيا، ويتضح ذلك فى غلبة العنف على سلوك الوكلاء، لذلك يقوم الراعي بتجنب المخاطرة بسمعته على الساحة الدولية باسناد مثل هذه العمليات للوكيل، وذلك قد يكون لأنها قد تكون حرب طويلة الامد لاغالب ولامغلوب فيها اي ما من وجود منتصر فى النهاية.

    وتتضمن الحرب بالوكالة عنصرين رئيسيين هما الراعي والوكيل:

    فالراعي هو: فاعل دولي (سواء أكان دولة أم غير دولة)، لديه أهداف يرغب فى تحقيقها بصورة غير مباشرة ولذلك يستعين بوكيل يعمل لمصلحته لتحقيقها.

    أما الوكيل فهو: فاعل (دولة أو غير دولة) يستعان به لممارسة أنشطة نيابة عن الراعي، مقابل الحصول على نظير مادي أو غير مادي.

    مما لاشك فيه أن أفعال الوكيل ستؤثر على مصالح الراعي، الذى يمكنه معرفة وتقييم مخرجات عمل الوكيل لكنه لا يستطيع المراقبة أو السيطرة الكاملة على سلوكه فى تأدية مهامه المطلوبة منه من قبل الراعي.

    قد يكون هناك تباين فى التفضيلات والقرارات على الأرض بين الراعي والوكيل، واذا ما اتسع هذا التباين بين الجانبين، يتجه الوكيل لعدم الإلتزام بما هو مكلف به بالتحديد من قبل الراعي، حينها ستزداد فرص الإختلافات بين الطرفين.

    الراعي بكل تأكيد هو الذى يبادر بصياغة الإتفاق المتعلق بعقد الوكالة، وفى الأغلب لا يكون هذا العقد موثقا، يكون للراعي القوة التفاوضية المطلقة فى مواجهة الوكيل، وذلك نظرا لعدم التكافؤ فى العلاقة بين الطرفين.

    أنماط الوكلاء:

    أولا: الدولة

    تعد الدولة هى النمط التقليدي والأقدم بالنسبة للعنصر الوكيل، فبالنسبة للشرق الأوسط فقد تم استخدام عدد كبير من دوله فى سياق الحرب الباردة بين القطبين (الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي)، ففى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة تتخذ من السعودية وكيل لها لإيقاف المد القومي حينها والتى كانت تتزعمه مصر برئاسة جمال عبد الناصر، وربما كان أبرز مثال علي ذلك حرب اليمن عام 1962 والتى كانت بين الجمهوريين برئاسة عبد الله السلال المدعومين من مصر، والقوات الموالية للإمام البدر التى كانت تدعمها السعودية.

    ثانيا: الميلشيات المسلحة

    تعد الميلشيات المسلحة هى العنصر الأكثر إستخداما فى الفترة الحالية وبالتحديد ما بعد ثورات الربيع العربي فى 2011، فبعد سقوط عدد من الأنظمة العربية فى تلك الفترة، اصيبت مؤسسات هذه الدول بالضعف والإنهيار، وأصبحت عاجزة عن أداء مهامها الأمنية، وهو ما أدى لغياب الإستقرار بالداخل العربي، وهو ما أدى لتدخل القوى الإقليمية والدولية بشكل كبير فى ساحات الصراع فى المنطقة، آملا فى أن تستغل الموقف لتوسيع رقعة نفوذها فى العالم العربي.

    وتنقسم الميلشيات المسلحة لثلاثة عناصر:

    1-الوكيل النفعي

    يندرج تحت هذا الوكيل الميلشيات القبلية و العرقية، ولعل أقرب مثال على ذلك فى المنطقة هى القوات الكردية المتواجدة فى شمال شرق سوريا والتى كانت تقدم لها الولايات المتحدة  الدعم العسكرى والمادي منذ إندلاع الأزمة فى سوريا عام 2011، وتحكمت هذه العناصر التى تعرف حاليا بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمساحات واسعة فى شمال شرق سوريا، إلى أن أعلن الرئيس ترامب عزمه على القيام بعملية سحب كامل للقوات الأمريكية المتواجدة هناك، وذلك بالتزامن مع إعلان أنقرة لبدء حملتها العسكرية هناك، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية الأمريكية، إلي أن تراجع عن قراره مجددا في أواخر عام 2019 وقرر عدم الإنسحاب الكامل، إستجابة لضغوط المؤسسة العسكرية الأمريكية عليه ، وذلك حتي لا تترك الولايات المتحدة الساحة السورية للسيطرة الروسية الكاملة، وحتي لا تخسر حلفاؤها في سوريا وهم الأكراد، إضافة لعامل مهم آخر وهو أن المواقع التي تتركز فيها القوات الأمريكية قريبة من آبار النفط والغاز،وهو ما يوضح بشكل كبير فرضية سهولة تخلي الراعي عن الوكيل إذا ما ترتب على هذه الصلة بين الجانبين بعض المشاكل والأضرار للراعي.

    2-الوكيل البراجماتي

    ونذكر فى هذا العنصر الجماعات المرتزقة، والمرتزق هو كل شخص يقوم بأى عمل بمقابل مادى بغض النظر عن نوعية العمل أو الهدف منه وغالبا يطلق اسم على من يخدم في القوات المسلحة لبلد أجنبي من أجل المال.

    وتعد تركيا أبرز الدول المستخدمة لهذا العامل فى إطار سعيها للتوغل فى ليبيا، حيث ذكر موقع نورديك مونيتور السويدي أن تركيا بدأت أولًا في إرسالِ مرتزقة من مسلّحي الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا في كانون الأول/ديسمبر 2019، حيثُ يذكر الموقع ذاته عن إرسالِ أنقرة لحوالي 300 مقاتل في البداية، وذكر بأنه حتى منتصف العام 2020 فقد أرسلت تركيا حوالي 11،600 مقاتل سوري إلى ليبيا قُتل منهم حوالي 470، فى حين ذكر المركز السوري لحقوق الإنسان أنه تمّ تحديد ما لا يقل عن 50 مقاتلًا من هؤلاء كأعضاء سابقين في تنظيم داعش.

    ويرجع قيام أردوغان باستعمال استراتيجية مغايرة فى ليبيا عن إستراتيجيته السابقة في سوريا، لأن ليبيا تختلف عن سوريا، حيث لا تقع ضمن النطاق الجغرافي المجاور لتركيا، مما يصعب من عملية التدخل العسكري المباشر، والذي يتمثل في نقل الأفراد والأليات العسكرية، فقررت أنقرة الدخول فيما يعرف بالحرب بالوكالة بإرسالها للمرتزقة السوريين، وذلك لدعم حليفها في ليبيا وهى ميليشيات (حكومة الوفاق الوطني)، حيث قدمت تركيا ايضا لها المساعدات المالية والعسكرية .

    3-الوكيل الإيدولوجي

    هنا يجب ان نذكر بكل تأكيد الجماعات الشيعية التى تتبع ولائيا لولاية الفقيه فى إيران، وتقدم إيران في العراق وسوريا ولبنان الدعم لجهات شبه حكومية، ففي لبنان ساهمت طهران بتأسيس حزب الله اللبناني بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والجدير بالذكر أن حزب الله رغم إمتلاكه لميليشيا مسلحة قد تكون أقوى من الجيش الوطني اللبناني، لديها بالإضافة لذلك تواجد سياسي فى مجلس النواب اللبناني والحكومة اللبنانية، وتدعمها طهران بهدف زيادة نفوذها علي حساب قوي إقليمية أخري كإسرائيل، أما في العراق، فقد ساهمت طهران بشكل مباشر في تشكيل منظمة بدر في العراق عام 1982 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ثم بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، سنحت الفرصة لظهور العناصر التي استلهمت أفكارها من الثورة الإسلامية في ايران، وعلي رأسها حزب الدعوة والتيار الصدري، مما سهل من مهمة طهران في السيطرة علي عملية صناعة القرار في العراق، ولاشك أن فصائل الحشد الشعبي حاليا أغلبها يدين بالولاء لولاية الفقيه فى طهران، أما في سوريا، فايران فقط تدعم نظام الأسد الهش ، نظرا للعلاقات القديمة بين طهران ودمشق، فضلا علي تواجد الميليشيات التابعة لإيران علي الساحة السورية كحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية التابعة لهيئة الحشد الشعبي.

    أما في اليمن، فايران تقدم الدعم للحوثيين، وهو فصيل غير معترف بشرعيته دوليا، بل وقامت إدارة ترامب بإعتباره منظمة إرهابية، وتهدف بذلك طهران التضييق علي السعودية والحد من نفوذها في اليمن، ويرجع ذلك لحظر الأمم المتحدة لتصدير السلاح للحوثيين، وهو ما يعزز من إعتمادهم علي ايران وذراعها العسكري في المنطقة وهو الحرس الثوري.

    ثالثا: الشركات الأمنية الخاصة

    مجموعة فاغنر الخاصة

    تستعمل روسيا هذا الوكيل بالتحديد فى ليبيا، وهي واحدة من عدة مجموعات عسكرية خاصة روسية، ظهرت لأول مرة في ساحات القتال في شرق أوكرانيا وبالتحديد فى إقليم الدونباس الأوكراني، عندما ثار الأوكرانيون الموالون لروسيا على الحكومة الأوكرانية بهدف الإنفصال عن كييف، كما تنشط هذه المجموعة في الأماكن التي لا تستطيع موسكو التدخل فيها رسمياً أو تفضل أن لا تكون في الواجهة.

    كما أن رئيس هذه المجموعة هو يفغيني بيريغوزين، وهو رجل أعمال روسي معروف بارتباطه الكبير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أطلق عليه البعض (طباخ بوتين).

    ويرجع استخدام موسكو لعناصر فاغنر لتحقيق عدد من الأهداف للحكومة الروسية، أولها تخليص روسيا من خطرهم حيث قد يشكلون تهديداً أمنياً وسياسياً فى الداخل الروسي بسبب تدريبهم وكفائتهم العالية، ومن خلال ذلك يمكن لموسكو أن تقوم بمتابعة أهداف سياستها الخارجية في الخفاء، حيث أن روسيا لا تريد أن تتدخل رسميًا في ليبيا، لعدم المخاطرة بمصالحها مع شركاء استراتيجيين كتركيا التي يدعم زعيمها حكومة الوفاق الوطني في الوقت الذي تتدخل فيه روسيا لصالح المشير خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا أو ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، رغم علاقاتها مع كلا طرفي الصراع الليبي، كما أن روسيا ايضا لا تمتلك القدرة حاليا على خوض صراع آخر فى الشرق الأوسط بعد تواجدها الحالى فى سوريا.

    شركة سادات للإستشارات الدولية الدفاعية التركية:

    تعد الشركة أحد الأذرعة العسكرية لحزب العدالة والتنمية ، وأداة إستراتيجية هامة في يد الحكومة التركية لدعم التنظيمات المتطرفة في القارة الأفريقية.

    لذا تعتبر “سادات” بذلك أقرب في نمطها العسكري إلى الجيوش غير النظامية الثورية مثل “الحرس الثوري الإيراني” وذراعه الخارجية “فيلق القدس”، ولذلك يتوقع أن توسع “صادات” نشاطها لدعم الاضطرابات والصراعات الدينية والأنشطة التخريبية والاغتيالات السياسية، وتغذية الأفكار الدينية الراديكالية في مناطق النزاعات في القارة.

    وتمثل ليبيا وأفريقيا الوسطى ونيجيريا والدول الأفريقية الأخرى وبالتحديد منطقة الساحل الإفريقي التي تشهد انقسامات بين التيارات المعتدلة والراديكالية بيئة ملائمة لتمدد نشاط “صادات”.

    وترتبط شركة “سادات” بالحكومة التركية، وهناك مؤشرات قوية على هذه العلاقة ومن بينها تعيين عدنان تانري فيردي، مؤسس الشركة، مستشارًا أمنيًا للرئيس رجب طيب أردوغان، وتوفير الشركة الحماية الأمنية للرئيس التركي.

    وذكرت تقارير أن “سادات” أقامت معسكرات تدريب داخل تركيا، خاصة في ولايتي توقات وقونيه بوسط الأناضول، حيث يتم تدريب المرتزقة والتنظيمات الإرهابية.

    يتركز مجال نشاط “سادات” على تقديم تدريبات على الحرب غير النظامية، وتشير المعلومات إلى انخراط الشركة في تجنيد وتدريب المرتزقة من سوريا ودول آسيوية وأفريقية، حيث تشير التقارير لحصول الشركة على عمولة قدرها 10 آلاف دولار عن كل مقاتل يشارك في القتال، بالإضافة إلى دور الشركة في توفير المعلومات الاستخباراتية للمخابرات التركية، والتسويق للصناعة العسكرية التركية وتزويد عملائها بالأسلحة والمتفجرات وغيرها من المعدات العسكرية.

    كشفت “صادات” عبر موقعها على الإنترنت عن وجودها في ليبيا. وقد أرسلت بالفعل خلال عام 2020 الجاري عشرات المدربين العسكريين لتدريب الميليشيات المرتبطة بحكومة الوفاق.

    وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 88 عنصرًا من الشركة في ليبيا، ووقعت “سادات” في نوفمبر 2019، عقدًا مع شركة الأمن الخاصة الليبية، التي يقودها القيادي الإخواني سامح بوكتف، لتدريب الميليشيات المرتبطة بحكومة الوفاق.

    دور الإعلام فى الحرب الهجينة:

    من اللافت للنظر انه حين حاول المفكر الأميركي الشهير جوزيف ناي أن يصوغ العلاقة بين الإعلام والرأي العام في كتابه المهم: “القوة الناعمة: سبل النجاح في عالم السياسة الدولية”، الذي صدر في العام 2004. قال إن “المعارك لا يمكن أن تربح فقط في ميادين القتال، وإن الكاسب في الحرب هو ذلك الذي تكسب قصته في الإعلام”.
    إنها صياغة لافتة بكل تأكيد؛ مرة لأنها تشير إلى أهمية قصوى لدور الإعلام في الحرب، ربما بما يوازي أهمية آلة القتال ذاتها، وايضا لتأكيده على متلازمة الحرب والإعلام وقيمتها الكبيرة فى الحروب الحديثة وخاصة حروب الجيل الخامس، وتأثير الإعلام على عاملين رئيسيين لقوة الدول وهما الشخصية الوطنية والتى تأثرت كثيرا فى ظل عصر العولمة، إضافة للروح المعنوية للشعوب فى حد ذاتها والتى قد تكون كفيلة بخسارة دول للحروب قبل أن تبدأ، وهذا ما استخدمته الولايات المتحدة أثناء حربها على العراق فى عام 2003.

    ولعل هناك الكثير من الأمثلة على ذلك ايضا فنظام القذافي لم يسقط فى البداية ولكن سقط عندما سقطت طرابلس على الفضائيات وليس على أرض الواقع، إضافة لسقوط الموصل أكبر مدن العراق في يد داعش بعدما تم قصفها بفعل التغريدات على تويتر ليدب الذعر فى صفوف القوات الحكومية العراقية وتنسحب من المدينة دون قتال، كما أن شعور الجمهور بأن الأحداث فى دولة ما تصل لحد الغليان والاحتجاجات تطوقها من كل جانب، في حين لا يزيد عدد المتظاهرين فيها عن مائة متظاهر في ثلاثة أزقة يحمل فى سياقه نفس الطابع، وايضا الأولوية القصوى التى تسخر من أجلها بعض دول المنطقة الصغيرة والحديثة كل جهدها وطاقاتها الاستراتيجية في شبكة إعلامية ولعل أوضح الأمثلة على ذلك دولة قطر وشبكتها الإعلامية (الجزيرة).
    ويرى الكاتب الأميركي فيليب سيب أن “وسائل الإعلام القوية يمكن أن تؤثر في صياغة الصراعات العسكرية والسياسية مثلما تؤثر عناصر القوة الصلبة المباشرة تماما”
    وبالتالي يتضح لنا من خلال ذلك كيفية تحول بعض وسائل الإعلام في المنطقة إلى بنادق وقاذفات قنابل، لتلعب بذلك دور آلة الحرب وقد تفوق هذا الدور فى بعض الأحيان وبذلك استطاعت تقويض دول وزعزعة أركان دول أخرى.

    دور الإقتصاد فى الحرب الهجينة:

    يكمن استخدام الإقتصاد فى الحرب الهجين فيما يعرف بالتكتيكات الاقتصادية للنزاع المسلح، فحالياً هي إحدى وسائل إعلان الحروب، وأصبحت تأخذ عدة أشكال واسعة التطبيق، وتفضلها الدول عامة عن النزاع المسلح أو على الأقل تتخذها كإجراء لتصعيد أخف وطأة من شن الحروب وللولايات المتحدة تاريخ  طويل مع هذا النوع من الإجراءات.

    وإن العقوبات الاقتصادية التى تفرضها الدول أو الكيانات الدولية مثل الولايات المتحدة، بما ينسجم مع مبادئ سياساتها الخارجية والأمنية، لإحداث تغيير في سياسات وأنشطة الدول المستهدفة، لتشمل القطاعين العام والخاص، أو للضغط على أعدائها على الساحة الدولية كروسيا والصين، وبعض الدول النامية والتى أطلقت واشنطن عليهم فى بداية الألفية الجديدة إسم “الدول المارقة”.

    ومن اللافت للنظر أنه فى فترة ما بعد الحرب الباردة بدأت الجماعات المسلحة من غير الدول تظهر كأحد عناصر النظام الدولي الجديد، وتلقت هذه الجماعات الدعم فى البداية من قوى دولية وإقليمية، وصاحب ظهور هذه الجماعات تدريجيا ما يعرف ب”إقتصاديات العنف” حيث بدأت بتحقيق إكتفاءها الذاتي باستخدام طرق شرعية وغير شرعية، فبعض هذه الجماعات كطالبان فى أفغانستان وحزب الله فى لبنان قامت بالإتجار فى السلاح والمخدرات لجلب المال، وتنشط جماعات متطرفة أخرى فى دول الساحل الإفريقي وتعتمد بشكل كبير على الإتجار بالماس لتكوين قوتها الإقتصادية.

    ما هى متطلبات مواجهة الحرب الهجينة:

    يجب كشف التهديد الهجين والتعامل معه في المرحلة الأولى، وهذا يعني أن جميع المنظمات غير الحكومية العاملة في البلاد والدول الحليفة لها، يجب أن تكون مسجلة ويجب فحص أسباب حصولها على التمويل الأجنبي، فبعض هذه المنظمات تستغلها دول أخرى لتحقيق مصالحها كما تستخدمها لضرب إستقرار دول أخرى، وجميع المنظمات التي تعمل بصورة غير قانونية بما قد يشكل تهديدا للأمن القومي، ينبغي  أن تحظر أو يتم إغلاقها، وبالإضافة إلى ذلك يجب حث وسائل الإعلام المحلية على توضيح مخاطر الحرب الهجينة من أجل التعاون مع اجهزة الدولة لتعريف السكان وتوعيتهم بالتهديدات التي تواجههم، فالمعلومات والمعرفة تعد قوة ردع تحذيرية.

    ثانيا، يجب ضمان أن يتم تدريب ممثلي أجهزة الأمن على سبل تشكيل أجهزة عسكرية هجينة، وخاصة في مجال الوقاية من الثورات الملونة والرد على الحرب غير التقليدية، من المهم أن يكافحوا الغضب المتزايد بدقة لتجنب تأجيج الصراعات لتجنب السيناريوهات التى حدثت فى دول الإتحاد السوفييتي السابق والمعروفة بالثورات الملونة والتى دعمها الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

    وأخيرا، ما يطلق عليها إستراتيجية أمن الديمقراطية، وهي عبارة عن تشجيع الحركات الوطنية في المجتمع المدني، بحيث تصبح أكثر دعما لحكومتها فمن المهم أن تساعد الحكومات في جميع أنحاء العالم في تطوير هذا النوع من الحركات، كحماية فعالة ضد الحروب الهجينة الممثلة فى إستخدام الإعلام والتكنولوجيا لضرب إستقرار الدول ، لأن قوى المجتمع المدني والتى قد يراها البعض كمصدر للتهديد قد تكون فى ذات الوقت خط الدفاع الأول ضد هذا التهديد إذا ما تم بينها وبين الدولة تعاون يقوم على أساس المصلحة الوطنية العليا للدولة.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    ………………………………………………………..

    https://military.wikia.org/wiki/Hybrid_warfare

    http://armedforcesjournal.com/2009/10/4198658/

    The Challenges of Hybrid Warfare Eve Hunter with Piret Pernik, International Centre for Defence and Security,april2015

     https://www.syriahr.com

     https://www.ida2at.com/yevgeny-prigozhin-putin-cooks-executes-his-duties-africa/

    https://www.mc-doualiya.com/

     https://aawsat.com

    تأثير الجزيرة-كيف يعيد الإعلام العالمي الجديد تشكيل السياسة الدولية_فيليب سيب_مركزالجزيرة للدراسات

    شاركها.