اسلام عبد المجيد عيد

    في الشرق الأوسط، لا صوت يعلو علي صوت الأزمات، تلك المنطقة التي تمتاز بموقعها المميز استراتيجيا، لكنها تشكل عبئا ثقيلا علي صناع القرار ، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ علي أمن دول المنطقة القومي ومواجهة التدخلات الخارجية المستمرة في سياساتها الداخلية، ناهيك عن كون المنطقة تتميز بتنوع اثني وعرقي كبير، وهو ما كان حافزا لتدخلات اقليمية ودولية بذرائع عديدة علي مر العصور.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    واذا ما ذكرنا مصر، فهي دائما ما كانت أحد الأضلاع البارزة في صياغة سياسات الشرق الأوسط لفترات عديدة، ولكن بدأ هذا الدور بالتراجع بوتيرة متسارعة، فبعد أن كانت القاهرة منبرا رئيسيا لمشروع التكامل الافريقي والطموحات الوحدوية العربية في خمسينيات وسيتينات القرن الماضي، ورائدة لمبدأ عدم الإنحياز في الوقت الذي كانت تسيطر فيه سياسات الإستقطاب الثنائية من جانب الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي، ومن ثم بدأ هذا التأثير المصري يتراجع بعد هزيمة يونيو 1967، وما أعقبها من تحول مصر في عهد الرئيس السادات للمعسكر الغربي بقيادة واشنطن، اضافة الي تطبيع العلاقات مع اسرائيل، وخروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، لتفقد بذلك أحد أهم أوراقها السياسية ومن أهم الركائز التي استندت عليها استراتيجية النفوذ الإقليمي المصري علي مدي ثلاثين عاما وهي القضية الفلسطينية.

    ظلت مصر خلال فترة حكم الرئيس مبارك ايضا مقيدة بسياسات واشنطن في المنطقة، وهو ما بدا واضحا في تعامل القاهرة فيما يخص أزمة حرب الخليج في عام 1990، مرورا بغزو العراق عام 2003 ، مرورا بفترة ما بعد سقوط مبارك، والمتمثلة في حكم جماعة الإخوان المسلمين للبلاد، والتي لاقت ترحيبا منقطع النظير من ادارة الرئيس أوباما الديمقراطية حينذاك، وهو ما مثل علي الجانب الآخر خطر وجوديا للبلاد ومؤسستها العسكرية، التي كانت تمسك بزمام الأمور في البلاد علي مدي عقود.

    وفي الثالث من يوليو من عام 2013، أطاحت قيادة القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح السيسي بالرئيس الأسبق محمد مرسي، بعد مظاهرات حاشدة في الميادين المصرية للمطالبة باسقاط حكم الجماعة.

    منذ هذه اللحظة ومع تولي الرئيس السيسي للسلطة، بدأت ملامح سياسة خارجية جديدة للبلاد بالظهور، خاصة أن المنطقة تشهد فترة من أصعب الفترات علي مدار تاريخها، وهو ما يشكل تحديا كبيرا لصناع القرار في مصر.

    الأسس التي تستند عليها السياسة الخارجية المصرية حاليا:

    تتمحور المؤشرات الحالية في حصر توجهات السياسة الخارجية المصرية علي ثلاثة أبعاد رئيسية هي:

    1-اقتصار خطوات القاهرة علي الحد من  نفوذ الإسلاميين  والجماعات الإرهابية في المنطقة، على خلفية الصراع السياسـي بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قبل قطر وتركيا، وهو ما تتخذه اساسا في تحركاتها في المحافل الدولية، خاصة فيما يخص الأزمة الليبية بشكل كبير والسورية بصورة أقل نسبيا، وتعتمد علي ذلك ايضا في تشكيل تحالفاتها الإقليمية مع دول الخليج وعلي رأسها الإمارات والسعودية، واللتان تتخذان موقفا مماثلا لموقف القاهرة من الجماعة وحلفائها.

    2-القيادة المصرية تعمل في إطار الموازنة بين حماية المصالح الوطنية للبلاد، من خلال الدفاع عن سيادة الدولة ورفع جودة حياة المواطنين، وظهر ذلك جليا فيما يخص قضية سد النهضة الإثيوبي، والجهود السياسية الحثيثة للكوادر الدبلوماسية بالبلاد لحفظ حقوقها المائية، رغم افتقاد بعض هذه الكوادر للحنكة السياسية اللازمة للتعامل مع الأزمة حتي الآن، إلي جانب الحفاظ علي بقاء النظام، فهيكل النظام الحالي قائم علي الطابع النخبوي، والذي يتمثل في هيئة شبكات مترابطة ببعضها البعض في كافة قطاعات الدولة السياسية والإقتصادية، وهو ما يفسر توكيل مهمة تشييد والإشراف علي قسم كبير جدا من المشروعات الحيوية بالدولة لهيئة القوات المسلحة.

    3-تتبني مصر حالة “الترقب الإستراتيجي”، والقائمة علي عدم إتخاذ قرارات مندفعة تجاه أزمات اقليم الشرق الأوسط، فالقاهرة حاليا لا تمتلك الإمكانيات الإقتصادية والدبلوماسية والتي تؤهلها لشغل مركز ريادي في المنطقة، في ظل تركيز القيادة السياسية علي عملية إعادة البناء الإقتصادي، واحياء البني التحتية المتهالكة، خاصة مع الأزمات التي تعصف بالمنطقة بعد أحداث الربيع العربي، والتي تجاوزت في مداها الفاعلين في الداخل، بل امتدت لقوي إقليمية ودولية كبري، وبالتالي أصبح من الصعب توقع أي دور إقليمي ملموس لمصر حاليا، وهو ما يفسر التوجه المصري بصورة أكبر نحو العمق الإفريقي بدلا من محيطها العربي بشكل عام، فيما يبقي الطموح الأكبر للدبلوماسية المصرية الوصول لحالة تتوازن فيها القوي بالمنطقة، خاصة مع تعاظم تأثير بعض القوي الإقليمية كتركيا وإيران، وتواجد فاعلين دوليين في المنطقة علي رأسهم الولايات المتحدة وروسيا.

    نظريات توازن القوي:

    تعتمد هذه النظرية علي النموذج الواقعي، ويعد أساس نظرية توازن القوى هو وجود نظام دولي تسعى فيه الدول لتحقيق مصالحها الذاتية، ومن رواد هذه النظرية كان “هانز مورغانثو” في كتابه الشهير “السياسة بين الأمم”، والذي ذكر فيه بأن الدول ستسعي للتحالف مع غيرها، بحيث يمكن حمايتها من دولة أخري أو تحالف آخر، ويؤكد مورغانثو في نظريته أن محددات التحالف تأتي في الغالب من التهديدات الخارجية الحالية والمحتملة الموجودة في النظام الدولي.                                                                     ولعل انضمام مصر للتحالف السعودي الإماراتي أبرز الأمثلة علي ذلك، فكانت غاية مصر الأساسية محاولة الإبقاء علي حالة التوازن مع خصميها تركيا وقطر الداعمين للخصم الأبرز للنظام في الداخل وهي جماعة الإخوان المسلمين، اضافة لدعم الدولتين لعدد كبير من التنظيمات الجهادية المتطرفة في أغلب دول المنطقة، وفي شبه جزيرة سيناء.

    ولكن نظرية مورغانثو تجاهلت عاملا هاما، ألا وهو التهديدات الداخلية، وهي ما سلط عليها “ستيفن ديفيد” الضوء في نظريته المعروفة بالتوازن الشامل، بالإضافة إلى ذلك ، تأخذ نظريته في الاعتبار قادة الدول السلطوية وبالتحديد في الدول النامية ويعد الحاكم هنا هو وحدة التحليل الأساسية بدلا من الدولة نفسها لأن هؤلاء القادة معنيين بالبقاء في السلطة، في مواجهة تحديات الداخل.                                             فبالتالي تدور قرارات القيادة المصرية المتعلقة بالسياسة الخارجية في فلك التوفيق بين ما يمكن أن يبقيها في السلطة بالتوازي مع تقييم التهديدات الداخلية والخارجية.

    السياسة الخارجية المصرية تجاه الشرق الأوسط:

    1-القضية الفلسطينية:

    ورثت القيادة المصرية الحالية تداعيات الأوضاع في قطاع غزة وسياسته الخارجية. وواجهت مصر ايضا معضلة التهريب وحماية الحدود المتاخمة لقطاع غزة، خاصة مع تدفق الإرهابيين من خلال الأنفاق بين غزة وشبه جزيرة سيناء، ولاسيما مع أهداف حركة حماس والتي تحمل تقريبا نفس الإيديولوجيا الإسلاموية التي تحملها جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلي حماية مصالحها الوطنية خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. على غرار السياسة المصرية الثابتة والتي تلت إتفاقية السلام المصري الإسرائيلي عام 1979، خاصة وأن مصر تحصل منذ عام 1987 علي معونات من الولايات المتحدة تقدر قيمتها بحوالي 1,3 مليار دولار سنويا، وذلك في مقابل ضمان الحفاظ علي استمرارية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، إضافة للحصول علي تسهيلات من أجل عبور البحرية الأمريكية لقناة السويس، فكان لزاما على الرئيس السيسي أن يضع في اعتباره هذه الأولويات في الإعتبار  اضافة لمراعاة عدم تأثيرها على التعاطف الوطني العام مع القضية الفلسطينية، والتي لا تزال ذات أهمية كبيرة بالنسبة للشعب المصري.

    اعتمدت الدبلوماسية المصرية في تعاملها مع القضية الفلسطينية علي نقطتين:

    1-إبقاء حالة التعاطف الرسمية مع القضية الفلسطينية، وإستمرار مصر في لعب دور الوساطة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خاصة مع القيمة الكبيرة التي تحملها القضية الفلسطينية للعرب عامة، والقيادة المصرية بذلك تحاول أن تكسب نوع من التعاطف الشعبي في الداخل، وظهور مصر بدور وسيط السلام قد يحمي النظام نسبيا من الغضب الشعبي، بالإضافة إلي أن الرئيس السيسي لا يريد أن يترك الساحة الفلسطينية حتي لا يفسح المجال لفاعلين إقليميين آخرين تربطهم صلة كبيرة بحركة حماس وهما تركيا وقطر، فمن خلال نجاح مصر في الإستمرار في لعب دور الوساطة في الصراع، سيؤدي ذلك لدرء أي محاولات للدوحة وأنقرة والتي ستهدف بكل تأكيد لتحجيم التأثير المصري في المنطقة.

    2-خلق حالة من التوازن في العلاقة مع حركة حماس، ففي البداية، اتخذت الحكومة المصرية

    موقفا عدوانيا بشكل كبير تجاه حماس وقطاع غزة، واعتمدت سياسة مصر الخارجية في قطاع غزة علي شل اقتصاد حماس ومواردها، وحاولت تحقيق هذا الهدف بالبحث عن أنفاق التهريب والتي أدت لتواجد عدد كبير من الجماعات المتطرفة داخل سيناء من أجل تدميرها، كما قامت مصر بهدم عدد كبير من منازل الفلسطينيين على الجانب المصري من حدود رفح بهدف إنشاء منطقة عازلة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.                                                                                                                   ثم بعد ذلك شهدت العلاقة بين القيادة المصرية وحماس انعطافة جديدة، خصوصا مع رعاية مصر للحوار ما بين الأطراف الفلسطينية وهما حركتي فتح وحماس الذي انعقد في القاهرة، وما تبعها من زيارات متكررة لقيادات المخابرات المصرية لقطاع غزة، وترتب علي ذلك فتح معبر رفح بعد أن كان مغلق تقريبا لعدة سنوات، حتي تتجنب القاهرة حدوث أزمة إنسانية في غزة من خلال السماح بتدفق المساعدات إلى القطاع، فالقاهرة تدرك جيدا ضرورة احتواء حماس، حتي تضمن مصر دورها التاريخي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة وان حماس تعد أحد أذرع التيارات الإسلاموية في المنطقة والتي تتوافق مع أفكار تنظيم الإخوان المسلمين وتتلقي الدعم من قطر وتركيا.

    2-الأزمة السورية:

    كان للأزمة السورية تأثير على العلاقات الدولية وتحديدا بين دول المنطقة، شقت شرارة الربيع العربي طريقها إلى سوريا وتصاعدت إلى حرب أهلية وحشية. كان عاملا رئيسيا فيها التمويل الخارجي للجماعات المسلحة المعارضة للنظام من قبل أنظمة حليفة للولايات المتحدة كالسعودية وقطر وتركيا وداعمة في الوقت ذاته للتنظيمات السلفية المتطرفة، إضافة لتشبث الرئيس الأسد بالسلطة وطلبه هو الآخر المساعدة من الأطراف الخارجية كروسيا وايران.

    وهنا تختلط الأوراق علي صناع القرار الخارجي في مصر، فالسعودية الحليف الحالي للقاهرة، كانت تمني النفس بالإطاحة بنظام الأسد، لأن سقوط الأسد من شأنه أن يضعف من النفوذ والتواجد الإيراني في المنطقة، إضافة إلي ذلك سيقطع خط التمويل الإيراني والذي يمتد من الهلال الخصيب (سوريا والعراق) إلي حزب الله في جنوب لبنان، ذلك في الوقت التي تقف فيه القاهرة ضد تواجد الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا، وهو ما تعاني منه مصر في سيناء بالتحديد وتعمل علي وقف نموها، والتي تعتبر البديل المحتمل في حالة اذا ما سقط نظام البعث السوري، لذا فمصر من هذا المنطلق تحتفظ القاهرة بعلاقات أمنية مع النظام السوري الحالي، وكانت مصر قد أيدت في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، مشروع قرار روسي في مجلس الأمن الدولي لحل الأزمة في سوريا، بالتزامن مع هجوم النظام علي حلب، ونص المشروع علي اللجوء للحل السياسي، ووقف إطلاق النار من أجل ارسال المساعدات الإنسانية للبلاد، وهو ما رفضته الرياض، التي كانت تري بضرورة الحل العسكري والتحرك الدولي للإطاحة بالرئيس الأسد.

    بعد موافقة القاهرة علي مشروع القرار الروسي، أبلغت المملكة القيادة المصرية أنها سوف تسحب إمداداتها الشهرية لمصر من الشحنات النفطية والبالغة 700,000 ألف طن، وذلك من أجل الضغط علي القاهرة لتغيير موقفها، فرغم أن ذلك قد يوجه ضربة خطيرة للاقتصاد المصري المتعثر بالفعل.  لكن مع ذلك ، حافظ الرئيس السيسي على موقفه المعارض للمملكة بخصوص الأزمة في سوريا بقوله: “هناك محاولات للضغط على مصر ، لكنها لن تركع أمام أحد إلا الله”، وهو ما دفع الإعلام الإيراني حينها ليصرح بطلب مصر من طهران امدادت نفطية لتعويض سحب الإمداد السعودي، ولكن القاهرة فعليا قامت بالتوفيق بين الحلين بتوقيع إتفاقية مع الحكومة العراقية والتي تؤثر إيران بصورة كبيرة جدا علي مخرجات صنع القرار بها منذ عام 2003، ويقضي الإتفاق بتزويد بغداد القاهرة بحوالي مليون برميل من النفط الخام شهريا اعتبارا من آذار/مارس لعام 2017.

    فمن اللافت للنظر ايضا غياب دور مصري ذو فاعلية حقيقية في سوريا حاليا، إضافة إلي أن نظام البعث السوري، لم يعد يري في مصر صورة الحليف وما كانت تمثله بكونها القطر العربي الأكبر في المنطقة، بالتحديد منذ توقيع السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، وهو ما دفع نظام البعث للتوجه إلي حليف جديد في المنطقة والذي تمثل بالجمهورية الإسلامية في إيران، لكن علي الرغم من ذلك لازالت القاهرة تحتفظ بعلاقاتها الأمنية مع النظام في سوريا وتؤيد حربه علي الجماعات الجهادية المعارضة، وهو ما يتعارض بشكل قاطع مع وجهة نظر المملكة السعودية حليفتها الأولي في المنطقة، وهي رسالة واضحة للرياض أن موقف مصر تجاه الأزمة في سوريا هو ثابت وغير قابل للتغيير، بغض النظر عن كافة التهديدات والإغراءات، باعتبار أن تواجد الإرهابيين في سوريا هو خطر وجودي لمصر، وهو ما بدأت المملكة السعودية تتفهمه نسبيا في الفترة الحالية.

    3-الحرب في اليمن:

    النزاع في اليمن يعد ايضا أحد أهم الأزمات المشتعلة في المنطقة، ففي عام 2011 ، كان قد وصل امتداد أحداث الربيع العربي إلي اليمن، وقد اندلعت احتجاجات كبيرة للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي استمر أكثر من ثلاثين عاما. لكن علي عكس ما حدث في سوريا، استقال صالح مبكرا بعد الإتفاق علي خروجه الآمن من السلطة، ومع ذلك ، جاءت استقالته من دون حل القضايا الداخلية الجارية والصراعات داخل الدول بين مختلف الطوائف الدينية والقبلية في البلاد. دفع غياب حلول لهذه القضايا اليمن إلى حرب أهلية لا تزال مستمرة حتي هذه اللحظة. الأطراف الفاعلة في هذه الحرب الحوثيين بدعم من إيران والقوات الحكومية التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي بدعم من قوات التحالف الذي تقوده السعودية، والتي تعد مصر جزءا منه، ولكن رغم ذلك تعد المشاركة المصرية محدودة جدا، واقتصرت فقط علي إرسال اسطول بحري مصري لحماية أمنها القومي في منطقة البحر الاحمر.

    لذا فمصر وإن كانت تدعم خطوات المملكة السعودية في اليمن، إلا أنها تنتهج ما يسمي بسياسة “المشاركة الحذرة” في النزاع القائم هناك، وهو ما يفسر غياب التواجد العسكري المصري الواضح لدعم التحالف السعودي في ساحات القتال في اليمن ويرجع ذلك لثلاثة عوامل رئيسية وهي:

    1-إنشغال مصر في الوقت الحالي بالحرب علي الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، إضافة لسعي القيادة السياسية في البلاد لتأمين حدود مصر الغربية المحاذية لليبيا، خاصة مع تدخل أنقرة في الآونة الأخيرة لمساندة حكومة الوفاق، وهو ما قد يضر بمصالح القاهرة وأمنها القومي، وبالتالي فمصر حاليا في خضم حرب داخلية وقد يسبب التورط المصري في حرب اليمن اذا تم تضخما هائلا لمشاكل مصر الأمنية.

    2-تخوف القيادة المصرية من تكرار سيناريو التجربة الناصرية السابقة في حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي، وهي التي أطاحت بحكم الإمام محمد البدر وأعلنت قيام الجمهورية برئاسة عبدالله السلال، نجحت مصر بالفعل آنذاك بإسقاط نظام الإمام الموالي للسعودية والتي كانت ألد أعداء مصر الناصرية وقتها، وكانت تمثل الحليف الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة آيضا، فحينها كانت الجماعة تري في النظام السعودي مثالا حيا للنظام السياسي والإجتماعي للدولة الإسلامية، وكانت الجماعة تحصل علي دعم كبير حينها من آل سعود لمواجهة المد القومي لمصر عبد الناصر والذي كان يشكل تهديداعلي بقاء ملوك الخليج بصورة عامة، لكن رغم ذلك، أنهكت الحرب الدولة المصرية نوعا ما إقتصاديا وعسكريا، وذلك لتضاريس اليمن وطبيعتها الخاصة التي تعيق مرور الوحدات والمعدات العسكرية، وترتب علي ذلك اطالة امد الحرب في اليمن، وهو ما استغلته اسرائيل وبدأت بحربها الخاطفة علي سيناء في الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، في ظل تواجد قسم كبير من الجيش المصري في اليمن.

    3-إدراك الدولة المصرية، لصعوبة العودة من جديد للمشروع القومي الذي انتهجته مصر فترة حكم الرئيس عبدالناصر، والذي تجسد من خلاله النفوذ الإقليمي لمصر حينها، وكان أحد اسباب اشتراك مصر في حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي، ويرجع ذلك للإنتشار الكثيف للنعرات الدينية والطائفية التي اجتاحت المنطقة عقب أحداث ما يعرف بالربيع العربي، إضافة لإفتقاد مصر للكوادر السياسية والمهنية المناسبة وآيضا لتدني مستوي الآلة الإعلامية بالبلاد، بحيث لا يمكن الإعتماد عليها في مثل هذه المرحلة لإستقطاب قوي ناعمة لمصر تساعد علي إحياء الإيديولوجيا القومية من جديد.

    التوصيات:

    1-لابد أن تتجاوز القاهرة وضعيتها الحالية كمجرد “رد فعل للأزمات”، وذلك من خلال عدم الإكتفاء بالتركيز علي حماية حدود البلاد فقط، بل بالتوجه نحو الضرورة القصوي لتواجد استراتيجية خارجية كبري، تكثف فيها من استخدام قوتها الناعمة علي كافة الأصعدة الثقافية والسياسية، وبذلك تتمكن مصر من تعزيز فاعلية وجهات نظرها في المحافل الدولية تجاه الأزمات الإقليمية المختلفة، بالعمل علي تسخير موارد البلاد الإقتصادية والسياسية والعسكرية في هذا السياق.

    2-ضرورة عدم التقيد برغبات السياسة الخارجية الأمريكية المتبعة في الشرق الأوسط، والسعي نحو التمسك بعقد تحالفات أخري مع قوي دولية مختلفة كروسيا والصين، وهو ما بدأت مصر بالقيام به بالفعل في الوقت الحالي، حتي يتسني لمصر تحقيق حالة أوسع من التوازن في المنطقة، يسمح لها بالتالي بالقيام بدور فاعل حقيقي في المنطقة.

    3-إعادة النظر بصورة أكبر في علاقاتها مع القوي الإقليمية في المنطقة كإيران وتركيا، حيث أنه لا يمكن تجاهل تأثير هذه القوي فعليا في الأزمات التي تعصف بالعمق العربي لمصر، بما لا يضع مصر في حالة من العزلة في محيطها الإقليمي، وبما لا يشكل خطرا علي مصالحها الإقليمية بشكل عام.

    4-في إطار تشكيل استراتيجية مصرية كبري، يجب التركيز علي ايجاد كوادر وكفاءات مناسبة في المناصب القيادية والدبلوماسية بالدولة، يكون لديها قدر كافي من الحنكة والخيال السياسي، مما قد يساهم بصورة كبيرة في الوصول للغاية المنشودة للبلاد.

    5-عدم التقيد بالإعتماد علي تمويل الحلفاء في الخليج وهما (السعودية والإمارات)، والعمل علي ايجاد حالة من التوازن، تسمح لمصر بممارسة وجهات نظر مستقلة في بعض الأزمات، حيث أن المصالح المشتركة للدول لا تتوافق دائما، فقد تتعارض هذه المصالح في بعض الأحيان، ولعل الحالة السورية كانت المثال الأبرز، لتعارض وجهات نظر السعودية التي تمسكت باسقاط نظام الأسد وذلك من خلال دعمها لوقت طويل للجماعات المتطرفة هناك، حتي تقطع طريق التمويل علي وكلاء ايران في المنطقة وعلي رأسهم حزب الله، علي عكس القاهرة التي تمسكت بالحل السياسي من أجل عدم السماح بتدفق الجماعات الإرهابية لسيناء، كما احتفظت في هذا الصدد بعلاقات أمنية مع النظام في دمشق.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    شاركها.